ثقافة وفن

أنهر المعرفة

| منال محمد يوسف

عندما نحاول أن نسبرَ أغوار المعرفة وبحرها العظيم، يمكننا الوصول إلى شط المعرفة الأوّل، وإلى «شجرته التاريخية» التي تُحادث الأزمان وتمنحها بُعداً ثقافياً آخر.

وعندما نقرأ شيئاً عما يُسمّى «فهرسة المعارف» نُصادف السؤال التالي: كيف يُضاءُ نجمها الحالم «نجم المعارف» ويُنشر نوره في الدوحِ الثقافيّ وبالتالي كيف تُرتب المعارف حسب أفقية التفكير الإنسانيّ وحسب الامتداد الزمنيّ؟

تُرتب حسب النسق الذي يُراد السير على نهجه، والوصول إلى كلّ أبجدياته الأولى والأخيرة في آن معاً.

هذه الأبجديات تأتي نتيجة ما يُسمّى «تراكمية المعارف»، وكلّ ما يستقي من منابع المعرفة ونورها الأعظم يستقي من «نهر المعارف» الذي لا يحدُّ ولا يوصف جماله، ونراه يزدهي بكل تلك المعارف متعدّدة الاتجاهات والجوانب، فكُلنا يعرفُ بأن المعرفة هي ذاك البحر متلاطم الثقافات والفلسفات، وهذا بالطبع يؤكد لنا بأن «المعرفة وتجلّيات جمالها» لا تنحصر في مجالٍ معينٍ، وإنما تُمثّل الشجرة العظيمة التي تمتد فروعها وأصولها إلى كلّ اتجاه، وبهذا الشكل نقرأ المعنى الحقيقي لكلمة «المعرفة» ونُدرك أهمية الفحوى والمحتوى الذي يدلُّ نورهما على عظمة هذه الكلمة، وإذ بنا يُصادفنا السؤال التالي: كم من الدراسات والأبحاث جاءت لتنضوي تحت لواء هذه الكلمة؟

وكم من العلماء الذين تميزوا بفضل هذه الكلمة ونور عظمتها؟

وكم من الأمم التي حقّقت التطور والتقدم الإنسانيّ بفضل تقديرها لهذه الكلمة؟

ومن هنا نقرأ بأن «المعرفة هي عين الحقيقة المُثلى» وهي صوت العقل الإنسانيّ ونباهة التفكير الذي يُمثّل الكثير الكثير.

فإذا قرأنا «المعرفة» وتجلّيات نورها الأسمى، تجلّيات دساتيرها المتوهّجة علماً وأدباً، ودرسنا ماهيّة التفكير العميق الذي يدلُّ عليها يعني ذلك إحاطة كلّ بحثٍ علمي بشيءٍ مُثبت علمياً وعملياً، وبهذا الشكل تسير المعرفة في الاتجاه الصحيح الذي يخضع لقواعد وقوانين ونظم لا يمكن إلا الانطلاق من حيث مقومات ثباتها الأوّل.

وبهذا الشكل قد تُمنح المعرفة بعداً حقيقياً ونوراً إضافياً يُضاف إلى ما يُسمى «الإضافات والإضاءات المعرفيّة الصغرى والكبرى على حدٍّ سواء».

فالمعرفة وقواعدها الصحيحة قد تعني «عدم الثبات على فكرة معينة وعلى بحثٍ قد يأتي تغيراً فكرياً ويُثبت ضرورة الانطلاق منه إلى أبحاث جديدة تحمل الكثير من التميز والاستنتاج المعرفيّ في هذا المضمار وغيره.

ومن الضروري أن نعرف بأن «المعرفة ونهجها الشامل الأشمل» يجب ألا تقتصر على مجالٍ معينٍ كما يجب أن تسطع «شمس المعارف» في كلّ اتجاهٍ وتُضيء المجالات كافة.

فمن ينشد أسباب التفوق المعرفيّ يُدرك «لغة التطور الدائمة الحضور» ويُدرك تماماً أهمية الحضور المعرفيّ في كل المجالات.

ومن ثم الإيمان بأن «المعرفة» هي تلك السفينة التي وجدت منذُ أقدم الأزمنة والتي تبحرُ بنا إلى حيث «برَّ الأمان الحقيقي» الذي يُشكّل هاجسنا الحقيقي وهاجس كلّ نفس إنسانية لا تزال تؤمن بأن المعرفة الحقيقة هي مشكّاة النُّور الأول والأخير الذي لا يمكن أن يُعاش من دونه.

ومن هنا يتبين لنا بأن المعرفة تُمثّل «شراع التقدم المنير المستنير» وتجلّيات مهمة تُضيءُ مناهج المعرفة وتمنحها عظمةً لابدَّ من ضرورة الإتيان على ذكرها والتزوّد بألق نورها الحقيقي الذي لا يخفت في حالٍ من الأحوال، وإنما تبقى عظمته ما بقيت «أنهر المعرفة المثلى والعظمى» وما بقي هناك من يرفدها ويؤمن بعظمة المعرفة والمعارف ونورهما الذي يزدادُ إشراقاً وتوهّجاً على مرِّ الأزمنة والعصور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن