قضايا وآراء

عندما حول «الناتو» أوكرانيا إلى «خليج الخنازير»

| منذر عيد

في تشرين الثاني 1962 اندلعت ما سمي بأزمة خليج الخنازير بين الولايات المتحدة الأميركية وكوبا، لأن الاتحاد السوفييتي السابق أراد أن يضع صواريخه هناك، أزمة وضعت العالم على شفا حرب نووية لمدة 13 يوما في ذلك الشهر، كان الرئيس الأميركي حينها جون كينيدي على استعداد لتدمير نصف العالم، لمجرد ظهور قوة بالقرب من حدود بلاده يمكن أن تعمل على تهديدها أو تعرض أمنها للخطر.

تلك السياسة التي انتهجها كينيدي ضد كوبا والصواريخ الروسية، مثلت سياسة أميركا العامة، فانخرطت في معظم الحروب التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، تحت ذريعة الحفاظ على أمنها القومي، وهو ما أكدته الأرقام التي صرحت عنها السفارة الصينية في موسكو مؤخرا حينما قالت إنه «من بين 248 نزاعاً مسلحاً وقع في 153 منطقة في جميع أنحاء العالم من عام 1945 إلى عام 2001، بدأ 201 صراع من الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يمثل 81 بالمئة من العدد الإجمالي».

قد يقول قائل إن ذلك من حق الولايات المتحدة الأميركية أن تحافظ على أمنها القومي، ومصالحها الإستراتيجية في العالم، ليقول آخر ولكن ماذا بشأن موقف واشنطن من العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أليس من حق روسيا الحفاظ على أمنها القومي؟ ولاسيما أن الخطر بات داهماً واقترب أكثر من أسوارها، وأن الجميع يدرك ماذا يعني أن يضم حلف الشمال الأطلسي «الناتو» أوكرانيا إلى صفوفه؟

من المؤكد أن قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن عملية خاصة في أوكرانيا لحماية إقليم دونباس والقضاء على النازيين الجدد فيها، ليس قراراً وليد لحظته، أو رغبة روسية بشن أي اعتداء على دول الجوار، بل هو ردة فعل على تراكم سنوات من نقض الولايات المتحدة و«الناتو» لتعهداتهم بعدم التمدد شرقاً، ولأن جميع الوعود التي تم قطعها لكل من آخر زعيم سوفييتي ميخائيل غورباتشوف والرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، ذهبت أدراج الرياح إلى حد وصل فيه هدير دبابات «الناتو» إلى مسامع ساكن الكرملين.

نقض العهود أظهرته مجلة «ديرشبيغل» الألمانية باكتشاف وثيقة أرشيفية متعلقة بوعود سياسيين غربيين لموسكو في بون يوم 6 آذار عام 1991 بعدم توسع الناتو شرقا.

وحسب الوثيقة، فإن الدبلوماسي الألماني يورغن هروبوغ أشار إلى أنه «خلال المفاوضات بصيغة 2+4 ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية وفرنسا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا والولايات المتحدة «حول توحيد ألمانيا، أكدنا بوضوح أننا لن نوسع الناتو إلى ما وراء نهر إلبه، وبالتالي نحن لا نستطيع أن نعرض على بولندا ودول أخرى العضوية في الناتو.

إضافة إلى استشعار الرئيس بوتين خطر «الناتو» على أمن بلاده القومي، فإن إصرار الولايات المتحدة على لعب دور الشرطي العالمي، والهيمنة على القرار الدولي، أثار كثيرا من حفيظة بوتين، خاصة مع تنامي قدرات بلاده العسكرية والاقتصادية، بحيث باتت تشكل ندا للقطب الأميركي، تقول صحيفة «بروفيل» النمساوية: «هذه ليست معركة أيديولوجية على غرار الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ إننا نلحظ محاولة لتحدي الهيمنة على النظام العالمي لمصلحة إنشاء نموذج عالمي أكثر تنوعاً، يعتمد على مناطق النفوذ وفق المصطلحات القديمة، والآن، على حين أصبح العالم أكثر شفافية وترابطاً، فإن العزلة لم تعد ممكنة إلا بمقدار محدد فقط، على الأقل، هذا ما نظنه حتى الآن».

في قراءة لما أبعد مما يظهر في صورة الأحداث في أوكرانيا، وسيل الأخبار حول ضم «الناتو» كييف إلى صفوفه، فإن النظر في نتائج ما تقوم به الولايات المتحدة من فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، إنما يستهدف أوروبا في الصميم، خاصة وأن الجميع يعي أن انقطاع الغاز الروسي عن القارة العجوز سيزيد من حالة المرض الذي تعانيه، وسيضع صناعتها تحت رحمة قوى أخرى، أو الذهاب إلى بدائل هي عاجزة، أقله حتى الآن، في إيجادها، لذلك يمكن التأكيد أن هدف واشنطن من التصعيد ضد روسيا في أوكرانيا إصابة عصفورين بحجر واحد، إنهاك واستنزاف القوات الروسية، وضرب العلاقة بين موسكو والاتحاد الأوروبي عموماً وبرلين خصوصاً، وتحديداً أن العلاقة بين روسيا وألمانيا وصلت لمستوى جيد مع إنجاز خط «السيل الشمالي2»، والجاهز للإطلاق، ولذلك تخشى أميركا أن تصل هذه العلاقة لتشابك بالمصالح، وهذا يهدد العلاقة بين الولايات المتحدة وألمانيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن