من دفتر الوطن

الرياضة والسياسة

| فراس عزيز ديب

هل يجوز خلط الرياضة بالسياسة؟

سؤال نسمعهُ مع كلّ حدثٍ يُعيدُ طرحَ الفكرة، كأن يمتنع مثلاً بعض الأبطال العرب عن ملاقاةِ لاعبين من الكيان الصهيوني، هنا تبدأ همروجة منع الخلط بين الرياضة والسياسة، الأمر وصلَ أبعدَ من ذلك حيث قامت بعض الاتحادات الدولية بمعاقبة أي لاعب أو فريق لا يحترم هذا المنع، من منَّا لا يتذكر الرائع فريدريك كانوتي مهاجم إشبيلية الإسباني ولحظةَ تعاطفهِ مع الشعب الفلسطيني؟ كانت كل مسوِّغات هذا المنع عربياً وودولياً تنطلق من فكرة أن العالم تجاوز هذه التصرفات الخشبية بينما لا نزال نحن ندافع عنها!

مع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، كانَ من المنتظَر أن تكون هناك ردَّات فعلٍ دولية بما يتعلق في الرياضة، انطلاقاً من دور الرياضة بصناعةِ السلام، مثلاً ومع الأيام الأولى للحرب وحَّدَت القنوات الرياضية الناقلة لأهمِ النشاطات الرياضية أوروبياً على شاشاتها عبارة «أوقفوا الحرب»، عبارة منطقية لا تقوم بإدخال السياسة في الرياضة لأننا جميعاً ضد الحروب؛ لكن ومع مرور الوقت بدأت السياسة تتجاوز الرياضة بمسافةٍ شاسعة فعبارة أوقفوا الحرب استُبدِلَت بعبارةِ «أوقفوا العدوان»، وبذات السياق تحوَّلَت الملاعب الرياضية إلى ساحات مجانية للانحياز للجهة الأوكرانية بشكلٍ فظٍّ وفاضح وهذا ليس دوراً منطقياً للرياضة، هنا نذكِّر أصحاب الإنسانية الطارئة الذين يدافعون عن الفكرة من منظور أن روسيا هي التي بدأت بالحرب ومن الطبيعي أن تتبنى الاتحادات الدولية وجهة النظر الأوكرانية، بأن تحديد من يبدأ الحرب لا يعني عملياً تحديدَ من هو المُحق، في سياقٍ آخر هناك لاعبون أتراك حيِّوا جيشَ الإِجرام التركي خلال معركةِ إدلب قبل عامين ولم يتحرك الاتحاد الدولي مطلقاً لمعاقبتهم، هل كانت تركيا يومها تدافع عن أراضيها؟

لكن العقوبات الرياضية التي طالت كل رياضيي روسيا من دون استثناء تدحرجت بشكلٍ يُثبت بأنها جزء لا يتجزأ من الحملة أساساً ضد الروس، ولعلَ الإثباتات على هذا الكلام لا تُعد ولا تُحصى، نتفهم فكرةَ نقل المباريات من أرضهم لكن لماذا يتم حرمانهم وحرمان الأندية الروسية من المشاركة في النشاطات الدولية؟ اللافت أن بعض النجوم العرب الذين يعتاشون من القنوات الرياضية العربية مثلاً يطربوننا بمنشورات عن صوابية هذا القرار لكنهم يتساءلون: لماذا لم يشمل سابقاً الكيان الصهيوني؟

هؤلاء مجرد متاجرين كما غيرهم لأنهم ببساطة يتحدثون عن الكيان الصهيوني ويتوقفون، لأن الحيِّز الجغرافي الذي يعتاشون منه لا يسمح لهم باستكمال السؤال: هل عوقبت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأوكرانيا بعدَ مشاركتها المباشرة في غزو العراق وأفغانستان؟ هل عوقبت فرنسا بعد تدخلها في كل من ساحل العاج ومالي؟ هل عوقبت الدول التي دمَّرت اليمن؟

في الخلاصة: من المؤسف أن نرى هذا السقوط الأخلاقي للمؤسسات الرياضية الدولية، في الوقت الذي يجب عليها أن تكون مثالاً للحياد، ولو كانت كذلك لرفعنا لها القبعات، لكن ما يجري يُثبت فعلياً أن هذه المؤسسات باتت الحديقة الخلفية لمنظومة الفساد العالمي والأخلاقي، ولكي تتضح الصورة أكثر تذكروا أن الاتحاد الدولي للتنس أوقف نشاط لاعب التنس دانيال ميدفيديف، هذا اللاعب مرشح لأن يكون اللاعب رقم واحد مستقبلاً، ربما هذا ما لا يقبله الغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن