اقتصاد

المشروعات الصغيرة والمتوسطة: غياب الرؤية

| د.علي محمد

لطالما كان «دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة» شعاراً رناناً دائم التواجد في كل الخطط الحكومية في سورية نظراً لأهمية هذه المشاريع «عالمياً» من الناحية الاقتصادية من جهة، ولما تمثله من إجمالي شركات الاقتصاد السوري ومساهمتها في المؤشرات الاقتصادية السورية من جهة أخرى.

فعندما تفصح الأرقام بأن المشروعات المتناهية في الصغر والصغيرة والمتوسطة في سورية تشكل نحو 99 بالمئة من إجمالي الشركات في كل قطاعات الاقتصاد السوري، وبأنها كانت تسهم في عام 2010 بما لا يقل عن 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي و75 بالمئة من الضرائب والرسوم المباشرة، وتشغّل نحو60 بالمئة من اليد العاملة، فهذا يعد مؤشراً مهماً إلى تأثير وشمول هذه المشروعات وقدرتها على التطور والاتساع بما يلبي حاجة الاقتصاد السوري من منتجات وخدمات كل القطاعات صناعيةً كانت أم زراعية أم تجارية وخدمية.

أما عن الخطوات الحكومية تجاه هذه المشروعات، فقد بقيت في إطار محاولة التشريع لجهة أو هيئة تعمل على تنمية هذه المشروعات وتأطيرها بدءاً من الهيئة العامة للبرنامج الوطني لمكافحة البطالة (2001-2006) ثم هيئة التشغيل وتنمية المشروعات (2006-2016) انتهاءً بهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة (2016 لغاية الآن)، إلا أن الخطوات على أرض الواقع لم ترتق إلى درجة التنمية الفعلية لهذه المشروعات وتذليل معوقاتها المتعددة بدءاً من المشكلة التمويلية، وانتهاءً بالتسويقية مروراً بالإدارية والتنظيمية سواءً ذات العلاقة بالتراخيص الرسمية أو التنظيم الإداري الداخلي لهذه المشروعات والتدريب والاستشارات، هذا فضلاً عن غياب أي إستراتيجية دقيقة لعمل هذه المشروعات وأسس توزعها قطاعياً بناءً على دراسات حاجة الاقتصاد السوري وأولويات كل مرحلة على حدة، كما لم نر دوراً وازناً لغرف التجارة والزراعة والصناعة في ذلك سوى بعض الخطوات ومنها المتعلقة بتأسيس بعض المعارض على سبيل المثال.

ونظراً لهذا الواقع «غير الصحي» لهذه المشروعات، صدر القانون رقم 8 تاريخ 20\02\2021 الخاص بتأسيس مصارف التمويل الأصغر في سورية بغية المساهمة بخلق وتنظيم مؤسسات مالية تضخ كتلة التسليفات لديها لهذه المشروعات حصراً دون غيرها، وبالفعل بدأت هذه المصارف بمنح القروض المتعددة لهذه المشاريع وسواها من أصحاب الدخل المحدود ومعدومي الدخل، وبنظرة سريعة لواقع التسليف الممنوح خلال عام 2020 و2021، فإن حجم المحفظة التسليفية الممنوحة من مصارف التمويل الأصغر نما بنسبة 83 بالمئة من 30 مليار ليرة إلى 55 مليار ليرة، إلا أنه عند تدقيق أرقام التسليف الممنوحة في عام 2020 من مصارف التمويل الأصغر (4 مصارف) والمصارف الخاصة في سورية (14 مصرفاً) نلاحظ عدم تجاوز ما مُنح من قروض للمشروعات المتناهية في الصغر والصغيرة والمتوسطة 74 مليار ليرة من أصل حجم محفظة ائتمانية بالغة نحو 1.493 مليار ليرة، بما يعني أن 5 بالمئة فقط من إجمالي التسهيلات الممنوحة تتجه إلى المشروعات المتناهية في الصغر والصغيرة والمتوسطة، وهذا الرقم بحد ذاته يظهر ضعف التمويل لهذه المشروعات كرقم مجرد، فما بالنا إن قمنا بقياسه لنسب التضخم التي أصابت الاقتصاد السوري خلال الحرب وارتفاع السقوف المطلوبة لقروض كهذه من هذه المشروعات، وهنا تظهر العقبة الأكبر الخاصة بالتمويل إلا وهي الضمانات المطلوبة، والتي يفترض أن حلها جاهز وهو الضمان المقدم من مؤسسة ضمان مخاطر القروض الصغيرة والمتوسطة التي أحدثت بالقانون رقم 12 لعام 2016، والتي تم الانتهاء من اكتتاب رأسمالها من المصارف الخاصة ومصارف التمويل الأصغر، إلا أنها بعد 5 سنوات على تأسيسها لم تقم بأي خطوة من الخطوات التي تأسست لأجلها، وهذا سؤال نضعه برسم المعنيين.

هذا من ناحية التمويل، أما من ناحية تنمية هذه المشروعات، فالمراقب لوضع هذه المشروعات لا يرى تطوراً واضحاً في عملها وفي القيمة المضافة التي تحققها على أرض الواقع، فكما ذكرنا، عقبات المشروعات الصغيرة والمتوسطة تضم إضافة إلى العقبة التمويلية، العقبة التسويقية وعقبة التدريب والمتابعة، فالأحرى بهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة العمل الحثيث على تنظيم هذه المشروعات بالتعاون مع غرف الزراعة والصناعة والتجارة، والمساعدة في الترخيص الرسمي لهذه المشروعات بما يمكن من إيجاد إحصائيات دقيقة تمكن من استهداف هذه المشروعات بعينها وتقديم كل المساعدة الإدارية واللوجستية والتدريبية لها بما يضعها على سكة الإنتاج الفعلي بعيداً عن التجريب وعن احتمالية التعثر والاندثار والفوضى، فالعبرة هي في تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتلبية حاجة السوق المحلية وتخفيف الاستيراد بما ينعكس مستقبلاً إيجاباً على الميزان التجاري السوري الخاسر في عام 2021 بنحو 3.5 مليارات يورو، وهذا الأمر يحتم على الهيئة أن تعد تقارير دورية منتظمة توضح فيه تطور هذه المشروعات على أن تشمل هذه التقارير تطورها أفقياً وإنتاجياً، مترافقاً مع دراسة فعالية التمويل الممنوح من المصارف مجتمعةً وما حقق من عوائد مباشرة وغير مباشرة للاقتصاد الوطني سواء من حيث زيادة الإنتاج أو من حيث امتصاص البطالة وغيرها من المؤشرات المهمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن