قضايا وآراء

طاقة التحمل وطوق النجاة

| باسل كويفي

لعل الأنظار تتجه منذ التدخل الروسي في أوكرانيا إلى الارتدادات التي ستلقي أثقالها على اقتصاديات الدول وعلى الأخص البلدان النامية، بالتأكيد هناك علاقة وثيقة بين السياسة والاقتصاد وبين الاقتصاد والأمن والاستقرار وبين السلام والنمو الاقتصادي.

إلا أنه وبغض النظر عن التأثيرات السياسية والعسكرية فإن هذا البحث يتطرق بشكل أساسي لانعكاسات الأسواق العالمية على اقتصاديات الدول وطاقة تحملها للإجراءات الانعكاسية من ارتفاع أسعار النفط والغاز والمواد الغذائية الرئيسية كالقمح وزيت عباد الشمس والذرة، والمعادن، لكون روسيا وأكرانيا من الموردين الكبار لتلك المنتجات بشكل مباشر عدا عن التأثيرات غير المباشرة المتمثلة بارتفاع أجور النقل والتأمين والتخزين.

إن لعبة عض الأصابع تدخل في حيز طاقة التحمل وهو ما تراهن عليه دول الغرب لإخضاع روسيا لشروطها، وفقاً للعقوبات التي فرضتها على روسيا والتي تلحق الضرر بالاقتصاد الروسي، ولكن يجدر الإشارة هنا إلى أن العقوبات التي فرضتها دول الغرب على العديد من الدول ومنها إيران وكوريا الديمقراطية لم تثن تلك الدول عن تنفيذ سياستها العسكرية على الرغم من تأثيراتها الاقتصادية، فكيف الحال مع روسيا التي تمتلك ترسانة عسكرية كبيرة واحتياطياً كبيراً من الذهب واليورانيوم والنفط والغاز؟

إن العقوبات ذات مسار مزدوج على روسيا والغرب وتكاد تكون متماثلة ولو أن ميزانها لمصلحة الغرب.

إن البشرية والمجتمعات الإنسانية تتطلع دوماً إلى السلام الذي يحقق الأمن والاستقرار ويعزز متطلبات الإنسان في حقه بالعيش بحرية والتنعم بخيرات الأرض.

من هنا نؤكد أن وقف الحرب والعنف في أي منطقة بالعالم هو السبيل الوحيد لطوق النجاة للبشرية بديلاً عن الحرب التي قد تجر العالم إلى نتائج لا يمكن تداركها.

هنا لابد من التنويه أن الحكمة والعقلانية والحكم الرشيد هو طوق آخر لنجاة البشرية وهذا يعتمد على سياسات مرنة هادئة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع الأطراف المتنازعة ودون الكيل بمكيالين أو تسييس الحقوق لمصلحة أطراف بعينها.

في هذا السياق جاء نداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، وبقيمة مليار و651 مليون دولار، لتلبية الاحتياجات المتصاعدة للمتضررين من العمليات العسكرية داخل أوكرانيا وللنازحين إلى دول الجوار، مع العلم أنه تم تخفيض المساعدات الإنسانية لسورية أوائل هذا العام إلى النصف! وكذلك إعلان الرئيس الكندي عن تقديم كل المساعدات الإنسانية لمن يلجأ لدول الجوار وتسريع إجراءات الهجرة لكل الأوكرانيين الراغبين بالهجرة إلى كندا، في الوقت الذي يتم فيه حرمان السوريين من مقومات العيش والتأشيرات إلى أغلبية دول العالم عبر عقوبات لا إنسانية تلحق الضرر البليغ بالشعب السوري.

في هذا الإطار كشفت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، أن «سورية باتت تصنف الآن بين أكثر 10 دول تواجه انعدام الأمن الغذائي على صعيد العالم».

وأضافت المسؤولة الأممية أن 12 مليون شخص في سورية يعانون «من وصول محدود أو غير مؤكد إلى الغذاء»، وأن مزيدا من السوريين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية حاليا أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الحرب في البلاد عام 2011.

وأشارت مسويا إلى تقرير أعلن عنه وأظهر أن 14.6 مليون سوري من المتوقع أن يعتمدوا على المساعدات هذا العام، وذلك بزيادة قدرها 9 بالمئة، مقارنة مع عام 2021 وبنسبة 32 بالمئة، مقارنة مع عام 2020.

وأضافت مسويا أن الاقتصاد السوري يشهد اتجاها هابطاً على نحو أكبر، وقالت إن الأسر السورية تنفق الآن في المتوسط 50 بالمئة أكثر مما تتقاضى من أموال، ما يعني اقتراض المال من أجل تدبير أمورها.

وقد أدى هذا إلى «خيارات لا تحتمل» بما فيها تسرب الأطفال، لاسيما الفتيات، من التعليم، وزيادة زواج الأطفال.

وحثت المسؤولة الأممية المانحين على الاستجابة بسخاء لنداء الأمم المتحدة الإنساني القادم بشأن سورية لعام 2022، والذي من المزمع أن يكون موجهاً نحو «زيادة المرونة» والوصول إلى الخدمات الأساسية.

إن التبعات الاجتماعية للعقوبات التي تفرضها دول الغرب لا يمكن التكهن بها، حيث ستبلغ الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم خلال الأشهر القادمة ذروتها في حال عدم الوصول إلى تسويات إيجابية، وقد تكون أوروبا الأكثر تأثراً مع الدول النامية التي تعاني أصلاً من تلك الأزمات، وخصوصاً مع مؤشرات مقلقة لانهيار البورصات العالمية والعملات على الرغم من تدخل البنوك المركزية المؤقت.

إن الاقتصاد العالمي لا يعمل بمفرده ولكن يتأثر بالأوضاع السياسية وهذا يتضح جليًا في أداء البورصات الأميركية والأوروبية وشرق آسيا كونها تمثل مرآة عاكسة لاقتصادياتها واستقرارها.

من المتوقع أن يكون التعامل مع موجة التضخم العالمي من قبل الدول المتقدمة له تأثيرات على الدول النامية لكون أدوات السياسة النقدية في تلك الدول وبالأخص الفيدرالي الأميركي، تعتمد على آليتين، رفع أسعار الفائدة، ومنح تسهيلات نقدية، وهي أمور علاجية مؤقتة لا يمكن التكهن بنتائجها على المدى المتوسط قد تحول مشاكل الديون لأزمات أو كوارث ديون، وبالتالي لابد من عمل أولويات لتجاوز مشاكل تغطية الدين لكل دولة على حدة ووفقاً للضرورات مع التركيز على خطط الاكتفاء الذاتي وتدوير عجلة الإنتاج بشكل أوسع.

وعليه في إطار الأزمة العالمية لابد من إعادة الهيكلة في السياسات المتبعة للتكامل الاقتصادي الاجتماعي، وإلا فستدخل الدول في دوامة الفراغ إلى حد الإفلاس.

إن السلام القائم على العدل هو السبيل الأوحد للحفاظ على الإنسان في شتى أرجاء العالم، وتعزيز ذلك لا يتم سوى بالتنمية الشاملة المستدامة وعدم التمييز والحفاظ على الحقوق البشرية بعيداً عن التسييس وبناء المنافع على ركامها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن