قضايا وآراء

تل أبيب وحساباتها الخاسرة ما بعد أوكرانيا

| تحسين الحلبي

يبدو أن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي لم يكتف بالعمل على حشد الغرب كله ضد روسيا الاتحادية بل إنه توجه قبل أيام بموجب ما نشرته الصحيفة الأميركية «يو إي توديي» في الأول من آذار الجاري إلى يهود العالم والكيان الإسرائيلي بزيادة تحريضهم ضد روسيا وضرورة اصطفافهم ضدها حين زعم في تصريح مباشر بأن القصف الروسي استهدف بقذيفة مبنى لذكرى يهود قتلوا على أيدي الألمان في الحرب العالمية الثانية تسمى «ذكرى بابي يار» علماً أن معظم وسائل الإعلام حتى الغربية ذكرت أن القذيفة استهدفت مبنى لمحطة قناة تلفزيونية أوكرانية تصادف وجود صالة رياضية أوكرانية خالية قربها وفي جانبها البعيد مبنى لذكرى «بابي يار» الذي تضررت حجارته من شظايا هذا الانفجار، وجاء في نص تحريضه حرفياً كما نشرته الصحيفة الأميركية في مخاطبته لليهود «ما قيمة قولكم أن ما حدث قبل 80 عاماً على يد الألمان لن يسمح بتكراره مرة ثانية وها هو العالم بقي صامتاً على قذيفة سقطت على بابي يار».

في اليوم نفسه سارع المسؤولون في الكيان الإسرائيلي إلى إطلاق التصريحات ضد روسيا وتوليد المزاعم ضدها باتهامها بمعاداة السامية وهي التهمة المستخدمة لكل من تقف إسرائيل والحركة الصهيونية ضده.

وإسرائيل والغرب يدركان أن ما يجري الآن ضد روسيا وقدرة الجيش الروسي على إحباطه ضد الغرب سيتطلب من القيادة الإسرائيلية والمنظمات اليهودية الصهيونية العالمية الانضمام إلى مشاركة أميركا والأطلسي في حربهما ضد روسيا الاتحادية.

ويدرك هذا الحلف الغربي أن المطلوب في جدول عمله الآن استغلال وجود مئات الآلاف من اليهود الروس داخل روسيا وخارجها ضد روسيا واستخدام إسرائيل لهم ضد وطنهم وشعبهم الروسي.

لن يكون من المستغرب أن تعد المنظمات الصهيونية العالمية حملات وتعمل على تجنيد المرتزقة للاشتراك في الحرب ضد روسيا تنفيذاً لدعوة زيلينسكي قبل أيام حين أطلق مناشدة علنية لكل من يرغب بالانضمام إلى مقاتلة روسيا المجيء إلى أوكرانيا وبالطبع بالاتفاق مع المختصين الإسرائيليين في تجنيد المرتزقة لمصلحة الولايات المتحدة وحلف الأطلسي.

كما لا يمكن تجاهل حقيقة وجود عشرات الشركات الإسرائيلية الخاصة للخدمات الأمنية والاستخباراتية التي ستستعد لتقديم خدماتها في هذه المجالات وتقديم الرجال والأسلحة والذخائر لهذه الغاية بشكل مباشر.

وعلى الساحة العالمية تتزايد الأبحاث والتحليلات التي تشير إلى أن ما يجري الآن بين روسيا وأوكرانيا وحلفائها في أوروبا والولايات المتحدة غير مسبوق لأن الحرب العالمية الثانية شاركت فيها روسيا السوفييتية مع قوى التحالف ضد ألمانيا وحلفائها في حين أن ما يجري الآن ضد روسيا من واشنطن وحلف الأطلسي يضع معظم دول أوروبا تحت إدارة السياسة الأميركية ويمهد لتحول كبير في النظام العالمي الأميركي الذي فرضته واشنطن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتؤكد هذه الأبحاث أن العالم ونظامه الأميركي لن يعود بنفوذه نفسه كما كان خلال السنوات الثلاثين الماضية.

في الكيان الإسرائيلي تخشى الحكومة من أن تؤدي هذه التطورات إلى زيادة قوة التحالف الروسي الصيني ومن ينضم إليه من دول العالم سواء ظهر العالم بشكل حرب باردة جديدة أو على شكل تعطلت فيه الهيمنة الأميركية الغربية، فالقيادة الصهيونية تدرك أن تأسيس كيانها في فلسطين جاء بعد الحرب العالمية الثانية قبل ظهور الحرب الباردة وانقسام العالم إلى معسكرين كل منهما يناقض في أهدافه الآخر، فهي تذكر أن المعسكر السوفييتي قدم السلاح والدعم السياسي للعرب ضد إسرائيل في فترة الحرب الباردة، ووجدت تل أبيب في ذلك الوقت أن الشعوب التي كانت تخضع للاستعمار تحالفت مع الاتحاد السوفييتي ضد المعسكر الأميركي الغربي الذي ناهض الاتحاد السوفييتي سياسته وهيمنته وأصبح داعماً لهذه الشعوب ضد الأعداء المشتركين.

ولا شك أن النتائج التي ستولدها التطورات في الساحة الأوكرانية والأوروبية ستؤدي إلى انقسام عالمي بين معسكرين حتى في العلاقة مع الكيان الإسرائيلي الذي سيقف بشكل طبيعي مع المعسكر الأميركي الأطلسي بينما ستقف قوى محور المقاومة وحلفاؤها في المنطقة ضد المعسكر الأميركي الأطلسي الإسرائيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن