بين الأغاني الوطنية القديمة والعصرية … أين الكلمة؟ وهل مازالت قادرة على حمل صورة الوطن؟
لجين إسماعيل :
تلعب الأغنية الوطنية دورها في تعزيز الوجدان الشعبي والإحساس بالتمازج مع الأرض، كما تجسّد القيم والمعاني التي طالما تمسكنا بها على مر التاريخ… فالفن باختلاف أشكاله يؤلّف وحدة متكاملة لتكوّن رسالة تصل إلى القلب.
لا يمكننا الخروج عن زمن الأصالة
وفي أنغام فيروز التي اعتدنا سماعها كان لأغنية «خطة قدمكم» الحافز الأقوى خلال عام 1973 حيث اعتمدت الإذاعات البث لتكون مصدر قوة لأبطال الجيش العربي في حرب تشرين التحريرية، كما احتفلت سورية بالنصر فكانت كلمات أغنية «سورية يا حبيبتي» للملحن والمطرب محمد سلمان أقوى معبّر عن حالة الاعتزاز التي عاشها الشعب آنذاك.
وقد تزيّنت أيام زمان بأسماء الملحنين والمطربين ذوي الأصوات التي لا تنسى ولا تمحى من الذاكرة.. وكلّ كان له بصمته فقد لمعت أسماء مهمة؛ سهيل عرفة الذي تشارك مع الشاعر اليمني عباس الديلمي في أغنية «صباح الخير يا وطناً» والتي غنّتها أمل عرفة، وفهد يكن، كذلك عمل على تلحين أغنية «من قاسيون أطلّ يا وطني» من كلمات خليل خوري، كما كان له تعاون مع الشاعر «عيسى أيوب» وأثمر عن هذا التعاون أغاني «يا دنيا» لوديع الصافي، و«من يوم ولدنا يا بلدنا» للمطرب الكبير فهد بلان وغيرها الكثير، ولا ننسى الملحن الكبير بليغ حمدي الذي لحّن للمطربة شادية أغنية «يا حبيبتي يا مصر».
كما لا نغفل أوبريت «الوطن الأكبر» للمطرب والملحن محمد عبد الوهاب حيث كتبها « أحمد شفيق كامل إبان الوحدة بين سورية ومصر وغنّاها خيرة المطربين؛ وردة الجزائرية، صباح، عبد الحليم حافظ، نجاة الصغيرة، وغيرهم.
والذاكرة ما زالت تردد كلمات فؤاد حداد في أغنية «الأرض بتتكلم عربي» للملحن والمطرب سيّد مكاوي، وأغنية «بلادي بلادي» من تأليف محمد يونس القاضي.
ومع الأغاني القديمة وأغنيات اليوم.. هل باتت الكلمات تتغنّى بالانتصارات؟؟!!!… وهل ستحمل الأغنية الوطنية صورة الوطن وتكون قادرة على شحذ الطاقات الشبابية..
للقصيدة قواعدها شعراً وموسيقا
القصيدة الوطنية قصة وحكاية من نسج التاريخ وهذا ما يؤكدّه الكاتب والملحن صدّيق الدمشقي في حديثه عن القصيدة الوطنية فيرى أنها من المفروض أن تكون قصه ملخصة تحكي تاريخ وأمجاد هذا الوطن؛ كقصيدة شام المجد لميادة حناوي ونسيم الشوق للشام لكنانة القصير. للقصيدة قواعدها شعراً وموسيقا يصعب تقديمها إلا ممن يتمتع بخبرة كتابة القصيدة شعراً ويضع لها لحناً مناسباً وهذا ما يفسر قلّة أعمال القصيدة الوطنية وما يقدّم منها الآن هو أهازيج وأناشيد ومحاولات غنائية منها الجيد ومنها لا صلة له بفن الأغنية، فالظروف التي يمر بها بلدنا أفرزت بعضاً من المتسلقين على فن الأغنية من كتاب وملحنين ومؤدين وباتت الساحة الفنية مجرد سباق يتراكضون فيه لاستغلال الفرص وفرض إذاعتها على أنها عمل للوطن.
هناك أعمال تفرض تبعاً لتوصيات ومزاجيات ومحسوبيات
ويتابع الدمشقي: أنا من مناصري الأنشودة الوطنية لأنها تحمل في ثنايا كلماتها أولى رسائل شحذ الهمم والبعد عن النواح والبكاء والإحباط حتى لو كانت أنشودة للشهداء…. فالشهيد يزف بعرس فكيف لنا أن نقدم أناشيد الشهادة بلون غنائي حزين ومحبط… فلكل زمن لونه من الأعمال الغنائية عاطفية كانت أم وطنية، حيث إن لأنشودتي «اللـه أكبر فوق كيد المعتدي» و«سورية يا حبيبتي» زمنهما ولأغنية «ملايين ملايين» زمنها… فانسجام الكلمات واللحن والأداء يمثل العامل في نجاح وصولها للمتلقي على عكس ما يحصل في واقعنا الفني المرير؛ الآن تقدم أعمال على أنها أغانٍ وأناشيد وطنيه وتُفرض على الجمهور إذاعياً وتلفزيونياً مرات ومرات يومياً وللأسف ليس لجودة العمل إنما لتوصيات ومزاجيات ومحسوبيات!!!!
علينا امتلاك عين حقيقيّة
في التقييم والتصويب
مع ما قدمه عمالقة الفن والطرب في أيام الستينيات والسبعينيات من أغانٍ راقية بأدائها وألحانها وكلماتها… نشهد اليوم انحداراً في مستوى الأغنية الوطنية فيقول الملحن سمير كويفاتي: أفرزت الأزمة أشخاصاً متسلقين بصورة بشعة، وأنا مع تقديم أغنية نشجّع فيها الجيش والجندي وحارس الوطن، ولكن لست مع بخس القيمة لتلك الرموز!. للأسف الشديد يظهر لدينا اليوم أسماء تغني للجيش وقداسته باستعراض مزيّف، فهذا الرمز يجب ألا يشوّه من أي مجهول يرغب فقط بتقديم نفسه للساحة الفنيّة، وبالتالي لدينا نحو 50 أغنية مشوّهة خلال فترة الأزمة! فهل يمكننا اليوم الفخر بهذا المنتج بعد بلوغنا مرحلة الانتصار؟! بالتأكيد لا فليس هناك مستوى من الرقي فنيّاً، ومن المفروض دراسة أي أغنية تقدّم للجيش أو لرئيس الجمهورية كي تليق به.
إذاً علينا امتلاك عين حقيقيّة في التقييم والتصويب، وعدم السماح لأي كان رغب في تقديم أغنية لأهم رموز البلد بأن يغني ويستعرض، وبالنهاية نسعى لتشويه الحركة الفنيّة في سورية من دون أن نقدّر ذلك إلا بعد فوات الأوان.
للكلمات دور تعزيزي
لا ننكر دور الكلمة في استنهاض الشباب فلم يغب الحسّ الوطنيّ ومازالت الكلمة تلامس مشاعر الناس عند السمع إلا أن المحامي عبد اللطيف يرى أن الوطن يبقى عبقه سارياً في الجسد والروح، وإن لم تكن المحبة نابعة من القلب.. ما من كلمات وعبارات تزرع هذا الحب، فالكلمات تلعب دورها في تعزيز الانتماء والتمسّك بالوطن.
القديم أصيل بمضمونه وتردد أسماعه إلى اليوم وفي هذا أضاف عبد اللطيف: جيلنا تربّى على كلمات قوية في مضمونها وألحانها، فاستشهد بأشعار عمر الفرا والقصائد القومية الوطنية المقاومة أما اليوم فيرى أن الأغنية قد فرغت من مضمونها بالصور والعروض ليس بقصد… لكن المواطن باتت تعنيه الصورة أكثر من الكلمة ومدلولاتها، وتابع في ختام حديثه «لاشكّ أن القصائد بشكلها العام قادرة على شحذ المواطنين نحو المسار الوطني إلا أنها يجب أن تستند إلى خلفية واعية وهذا الجانب المعرفي مفقود لدى الشباب اليوم».
هناك تنوع واختلاف في انتقاء الأغنية
لم تعد الأغنية الوطنية محط اهتمام البعض، فقد كنا نتوقع ومع ما نعيشه أن نشهد تعقلا إلا أن واقعنا يعكس حقيقة مؤلمة… وفي هذه النقطة ترى الموظفة عفراء أن الناس باتوا يتجهون لأنماط مختلفة من الأغاني.. ربما ملوا الحروب وظروفها.. وأرادوا أن يخلقوا جوا مناسبا لتفكيرهم وطريقة حياتهم.
فالكلمة الوطنية قادرة على خلق جو من المواطنة مهما كان عصرها إلا أن التأثير يقتصر على آنية اللحظة… ليس لخلل في الكلمات وإنما لمشكلة في انتقاء السامع وإدراكه للكلمة وما تحمله من معاني الحب والإخلاص.
أغان وانتماء وكلمات
عشقنا الوطن… لكن أين الدور الذي نمثله وما هو؟؟!! كل له دوره.. فالكلمة لها وقعها وللمواطن أثره وتأثيره.. ونحن أنفسنا قادرون على صنع الكلمة… وفي هذا الخصوص تتابع عفراء: نحن اليوم أحوج ما نكون إلى الكلمة التي تقوي وتعزز.. الكلمة التي تجعل النصر وكأنه حلم قريب.. فلا ننفي دور بعض أغاني هذا العصر في تعزيز الانتماء وتصوير البطولة والفداء ولو كانت مصحوبة بالصور والعروض فهي تمثل الجانب المضيء من حياتنا.
وختاما الوطن هو أنشودتنا التي ننشدها ونتغنى بكلماتها.. فهل ستحمل الكلمة صورة الوطن الحقيقية؟؟!!