من دفتر الوطن

حرب أخطر؟

| حسن م. يوسف

أصارحكم أنني عندما قرأت خبر منع تدريس دستويفسكي في إحدى الجامعات الإيطالية ظننت أن الأمر مجرد نكتة بائخة من فبركات المفسبكين الأشاوس، وعندما تكرر الخبر من مصادر عديدة، بحثت عنه بالإنجليزية، ولكم أن تتصوروا مدى صدمتي عندما علمت أن إدارة جامعة بيكوكا الإيطالية التي تقع في ميلانو أرسلت بالفعل بريداً إلكترونياً للكاتب باولو نوري الذي يحاضر فيها، تطلب منه «تأجيل محاضراته عن دستويفسكي لتجنب أي شكل من أشكال الجدل».

وقد نقلت جريدة لاريبوليكا استهجان البروفسور نوري الذي اعتبر «فرض الرقابة على مسار دراسي، أمر سخيف». وخاصة أن الكاتب الروسي الكبير دستويفسكي حكم عليه بالإعدام خلال العهد القيصري: وقال متهكماً: «ربما كانوا يعتبرونه من أنصار بوتين»!
لهذا لم أفاجأ لقيام «متحف غريفين» في باريس بإزالة تمثال من الشمع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من بين مجموعة قادة العالم. كما لم أفاجأ عندما قرأت أن منظمة الفيفا قد خلعت شورت الرياضة وارتدت الخوذة الحربية، غير أني شعرت بالقلق عندما علمت أن القطط الروسية ستمنع من المواء في دول حلف الناتو!
قبل نحو ألفين وخمسمئة عام قال الكاتب المسرحي اليوناني أسخيلوس: «في الحرب تكون الحقيقة أول الضحايا». والحقيقة أن الحرب الدعائية الشرسة الموجهة ضد روسيا وقيادتها تنحدر في بعض مستوياتها إلى الهستيريا الجماعية. فقد قام أبناء الطبل والزمر من أنصار أوكرانيا بتجيير وقفة الفتاة الفلسطينية عهد التميمي في وجه أحد جنود الاحتلال الصهيوني، لمصلحة أوكرانيا، لمجرد أنها شقراء، زاعمين أنها فتاة أوكرانية تتصدى لجندي روسي! ولم ينتبه المزور العبقري للفرق الشاسع في الطقس والسلاح والزي الحربي.
على هامش الحرب الدائرة الآن بين أوكرانيا وروسيا بدأت نزعة عنصرية خطيرة تطل برأسها، فقد أماط تشارلي داغاتا مراسل قناة «سي بي إس» اللثام عن عنصريته البغيضة عندما خاطب المشاهدين قائلاً: «إن ما يحدث في أوكرانيا يتعلق بمواطنين ينتمون لعالم متحضر وليسوا مثل اللاجئين في شمال إفريقيا وفي العراق وأفغانستان» وكررت كلامه زميلته كيلي سوبيلا مراسلة «إن بي سي» عندما خاطبت المشاهدين قائلة: «هؤلاء ليسوا لاجئين عراقيين أو سوريين»، وقد تكرر هذا الكلام العنصري القذر بصيغ مختلفة على عدة ألسنة في الإعلام الغربي. وهذه العقلية العنصرية تنذر بأخطار قد تكون الحرب العالمية أيسرها!
المقلق أكثر هو أن الخطاب العنصري الغربي تجاوز مجال الكلام إلى الممارسة، فقد جرى منع أفارقة في أوكرانيا من الصعود إلى القطار، هرباً من جحيم الحرب، كما جرى إنزال آخرين من العربات وإبعادهم لا لشيء إلا لأن بشرتهم ليست بيضاء.
الأمر المضحك في هذه المأساة هو أن أميركا تولول وترتدي فروة الحمل الوديع، علماً أنها شنت مئتي حرب وحرب في الفترة ما بين 1945 و2001. وهذا يعني أن حصتها من حروب العالم برمته هي 81 بالمئة.
بعض المتفائلين يتوقعون أن تتحول أميركا قريباً إلى إمبراطورية هرمة كما حصل لبريطانيا بعد حرب السويس. ونظراً لأنني لا أبيع الأوهام سأختم بطرفة سمعتها مؤخراً: سأل أحدهم صديقه: ماذا فهمت من الحرب الروسية الأوكرانية؟
فأجابه: فهمت أن البيت الأبيض لا ينفع في اليوم الأسود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن