عربي ودولي

بين المزايا والعواقب.. روسيا والغرب ولعبة إطالة زمن الحرب الأوكرانية!

| فراس عزيز ديب

منذ بداية العمليات الروسية في أوكرانيا، كان السؤال المطروح عن عواقب أو مزايا إطالة زمن الحرب لدى كلّ طرف، هذه العواقب والمزايا تنحصر في إطارين رئيسيين:

الإطار الأول هو الإطار العسكري، ربما قد لا يخفى على أي متابع أن الغرب عموماً يبني فكرة «إيقاع الروس في الفخ الأوكراني» على السعي لإطالة زمن الحرب وإدخال الروس في حرب استنزاف قد لا تنتهي إلا بطلب روسي ملفوف بالعلم الأبيض الذي يعني الاستسلام، هذا الرأي العسكري استند إلى عدة أبعاد، منها مثلاً البعد النفسي للقوات الروسية التي لا تعرف لماذا تم الزجّ بها بمعركة كهذه، هناك من ذهب أبعد من ذلك حين راهن على انشقاقات منتظرة في الجيش الروسي، ومع ارتفاع حجم الخسائر سيكون الروس قد هزموا قبل انتصاف المعركة، لكن مسار الحرب حتى الآن لا يبدو بأنه يتوافق مع هذا التحليل، فمن الواضح أن الجيش الروسي قد عبئ جيداً لهذه المعركة، لدرجة أخرج فيها الروس فرضية الحسم السريع من معادلاتهم عبر تعمّد إبطاء المعارك وعدم استخدام القوة العظمى، فتحرروا من الضغوط، وبمعنى آخر، يبدو وكأنّ الروس يريدون اللعب بالوقت وإطالة المعركة العسكرية لتحقيق انتصار في الإطار الثاني وهو الأهم: الإطار الاقتصادي.
عندما قررت الحكومة الروسية حجب مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك»، هناك من حاول ربط هذا القرار بفكرة قمع الحريات أو إخفاء الخسائر، مع العلم أن البيانات شبه اليومية لوزارة الدفاع الروسية لم تخف الخسائر وتحدثت عنها، لكن هناك من تجاهل أساساً بأنّ عملية الحجب تلك حملت ردّين، الأول هو على الشركة المالكة للموقعين والتي قامت بحجب كل الصفحات الروسية الكبرى وتحديداً تلك المتعلقة بوسائل الإعلام الروسية عندها يصبح حجب «تويتر» و«فيسبوك» ردّ فعل منطقياً، وإلا فلو كان فعلياً مرتبطاً بهدف تعتيم الروس على الخسائر، فلماذا لم يحجب قبل ذلك؟ مع العلم أن الأوكرانيين فمنذ اليوم الأول يتحدثون عن خسائر روسية بأرقام فلكية. الرد الثاني هو في الإطار الاقتصادي وما قد تجنيه الشركة من أرباح لملايين الحسابات الروسية، هذا يعني أن المعركة الاقتصادية تتجسد حتى في أبسط التفاصيل، فما بالنا عندما تدخل حرب الطاقة على الخط؟
ربما ليس عن عبث تحدث بيان الكرملين بالأمس عن العواقب الوخيمة لفرض حظر على شراء النفط الروسي ستقلب أسواق الطاقة العالمية، مع التذكير هنا أنه وكما كل الأسواق في العالم فإن أي ارتفاع في أسعار المواد البترولية سيرافقها ارتفاع بتكاليف الأنشطة المتداخلة معها بشكل مباشر أو غير مباشر.
في أوروبا مثلاً، لم يمض على الحرب الروسية أسبوعان حتى بدأ الصراخ من ارتفاع أسعار المواد البترولية، وهنا تبدو القارة الأوروبية المتضرر الأكبر مهما حالوا مكرهين ابتلاع الأمر وهو ربما ما لم يحسبه أولئك الذين يصرّون على ركوب المركب الأميركي. في فرنسا مثلاً بدأنا نشاهد وجود الرقم 2 في أسعار المحروقات في المحطات على الطرقات السريعة، وهو أمرٌ لم يحدث منذ اعتماد اليورو رسمياً كعملة موحدة، أما داخل المدن فهو ارتفع لأكثر من 17 سنتاً خلال ليلة واحدة ويدنو قريباً من سعر 2 يورو لليتر الواحد، هذا الارتفاع بدأ يترك أثره في قطاع النقل والشحن مثلاً، تحديداً مع بقاء أسعار النقل العام كما هي رغم مطالب نقابات العاملين في قطاع النقل والشحن بالنزول إلى الشارع للمطالبة بتعديل هذه الأسعار التي مضى عليها عامان عندما كان ليتر الديزل مثلاً بـأقل من يورو ونصف لا أكثر، لكن الأجواء المشحونة في أوروبا أجّلت هذا الحراك عبر وعود بتعويض العاملين في القطاع من خلال حسم على الضريبة العامة للقيمة المضافة، وهو ما يعني تكليف خزينة الدولة المليارات.
أما في الولايات المتحدة الأميركية فإنه مع حال التضخم الذي تعيشه الأسواق الأميركية أساساً، مصحوبة بارتفاع في أسعار المحروقات هو الأكبر منذ عشرين عاماً، فإن السؤال الذي سيكون له الكثير من الترداد في الأسابيع القادمة:
هل حان الوقت لاستخدام الاحتياطات النفطية الأميركية؟
سؤال يبدو من الصعب الإجابة عنه تحديداً أن هناك تراشقاً كلامياً بدأ يظهر بين الديمقراطيين والجمهوريين حول مفهوم «استخدام الاحتياطي النفطي في حال الطوارئ»، هناك من يرى بأن ما يعيشه العالم اليوم تجاوز حال الطوارئ، وهناك من يرى بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون في حرب مباشرة حتى يصحّ وصفها بحال الطوارئ، بين هذا وذاك قد تنتصر بالنهاية فكرة وسط تجمع النقيضين، لكن لكي تصبح هذه الفكرة قابلة للنقاش على بعض الساسة الأميركيين أن يبدوا الكثير من العقلانية والواقعية بنظرتهم لما يجري ليصبح السؤال:
إذا لم تكن الولايات المتحدة دخلت الحرب مباشرة وحرب الطاقة تكاد تقزّم دورها، كيف لو كانت المواجهة مباشرة؟! هذا دون أن ننسى فعلياً بأن الممرات المائية الأشهر والتي تعتبر الطريق الرئيسي لنقل المواد البيترولية لم تتأثر بعد، تحديداً في الخليج العربي وقناة السويس والبحر الأسود، عندها كم سيكون حجم الكارثة؟
على هذا الأساس يبدو الجانب الروسي اليوم رغم ما قد يتكبده اقتصاده من خسائر مرتاحاً لفكرة إطالة أمد الحرب، فلا عسكرياً ستحدث معجزة تبدل الأمور من حال إلى حال، تحديداً أن الناتو رفض حتى نقاش فكرة فرض حظر الطيران التي طرحها الرئيس الأوكراني معتبراً أن خطوة كهذه تعني حرباً عالمية بكل المقاييس، لأنها ستؤدي إلى صدام جوي روسي ناتوي وهو ما لا يريده الأوروبيون فتركوا أوكرانيا لتواجه مصيرها. أما اقتصادياً فلا يبدو من السهل لي الذراع الروسية، تحديداً أن اقتصاد الحرب يختلف عن اقتصاد السلم والروس اليوم كمن يعيش فعلياً اقتصاد الحرب، بعكس الدول الأوروبية التي لا تعيش حالة حرب ولا تملك اقتصاد السلم، بل إن هذا التمرد الروسي إن صح التعبير على كل ما له علاقة بالعقوبات الاقتصادية ونجاحها فيه سيعني حكماً أن ما بعد الحرب على أوكرانيا ليس كما قبله، صدق بيان الكرملين عندما تحدث عن استحالة عزل موسكو لأنّ الولايات المتحدة وأوروبا ليستا كل العالم، ربما هي رسالة لهؤلاء لكنها أيضاً رسالة للجانب الأهم وهي الجانب الصيني، فإذا افترضنا جدلاً بأن روسيا والصين اليوم هما الدولتان الأهم على الساحة الدولية، فهل يتكامل الذراع الاقتصادي مع الذراع العسكري فينتج عنه نظام مالي جديد يخلّص أحرار هذا العالم من سلاح العقوبات؟ ربما! فالإطار الاقتصادي، ولعله من دون مبالغة سيكون بيضة القبان في حسم هذه الحرب، والصمت الصيني حتى الآن اقتصادياً يوحي بأن هناك صفعة اقتصادية قادمة لا تقل عن الصفعة العسكرية، لننتظر ونرَ!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن