قضايا وآراء

التداعيات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية

| الدكتور قحطان السيوفي

يَستعد العالم لمواجهة التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية التي تُهدد بتعطيل تصدير السلع الأساسية وتمزيق سلاسل التوريد، كثير من الدول تعتمد على القمح الروسي، وعلى النفط والصناعات الروسية والأوكرانية.

انقطاع الصادرات الروسية سيلحق الضرر بمجموعة واسعة من الصناعات؛ من مصنعي الأسمدة إلى مصنعي المواد الغذائية والسيارات والطائرات.

روسيا مُصدر رئيس للنفط والغاز، إلى جانب أوكرانيا، وهما مورد رئيس للحبوب إلى العالم. ويمثل البلدان ما يقل قليلاً عن ثلث صادرات القمح العالمية.

تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، تضخ عشرة ملايين برميل من النفط الخام يومياً.

أحد السيناريوهات المحتملة هو أن تتضرر خطوط الأنابيب الأوكرانية أو أن توقف روسيا تدفق الغاز، التي تمثل 8 في المئة من إجمالي الصادرات لأوروبا. وسيؤدي ارتفاع سعر الغاز إلى زيادة تكاليف الطاقة للمستهلكين الصناعيين الأوروبيين، الذين يعتمدون على نحو 40 في المئة من إمدادات روسيا، وستزداد أسعار الغاز العالمية، ما سيؤدي إلى زيادة أسعار المواد الصناعية والبتروكيماوية، وتجاوزت أسعار النفط 100 دولار للبرميل، للمرة الأولى منذ عام 2014.

تعد روسيا مصدراً رئيسياً للمعادن المستخدمة في التصنيع كالنيكل، والتيتانيوم، والبلاديوم، والألمنيوم. شركات صناعة الطائرات، مثل بوينج وإيرباص ورولز رويس، تحتاج إلى التيتانيوم، بينما يستخدم البلاديوم في المحولات والأقطاب الكهربائية والإلكترونيات وتستعد الشركات في هذا القطاع لارتفاع التكاليف واحتمال انقطاع الإمدادات، وتمثل روسيا 14 في المئة من إنتاج العالم للألمنيوم ويستخدم الألمنيوم في الصناعة من علب المشروبات إلى السيارات.

أدت الضغوط المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار الغاز التي قفزت 30 في المئة، إلى كبح منتجي المعادن الكبار للإنتاج المقابل.

ثمة خطر هائل من حدوث تعطل في إمدادات البلاتين الروسية، حيث تمثل البلاد 12 في المئة من إمدادات مناجم البلاتين العالمية و40 في المئة من إمدادات البلاديوم العالمية.

كما تعد روسيا وأوكرانيا من المصادر الرئيسية للغازات الكيميائية «سي4 إف6» والنيون الذي يعد حيوياً لإنتاج أشباه الموصلات، ويمكن أن يصبح مصنعو الرقائق من أكثر المتضررين إذا تعطلت الإمدادات لفترة طويلة.

أوكرانيا من المنتجين لقطع غيار السيارات، ما يجعلها متصلة بسلاسل التوريد لكل من صناعة السيارات الروسية والأوروبية ويمتلك الموردون الدوليون، ومنهم شركتا بوش وآبتيف، مصانع في غرب أوكرانيا ويمتلك عديد من شركات صناعة السيارات مصانع في روسيا «رينو»، «تويوتا»، «كيا»، و«نيسان». لكن «رينو» التي تمتلك شركة أفتوفاز، أكبر مصنع للسيارات في البلاد، هي الأكثر تأثراً بالوضع.

أوكرانيا دولة رئيسة منتجة للحبوب وزيت زهرة عباد الشمس. الشركات الغربية مع اندلاع الحرب أوقفت العديد من العمليات. شركة نستله، أكبر شركة أغذية في العالم، سرحت نحو 5800 موظف في أوكرانيا، اقتداء بمجموعات أغذية ومشروبات دولية أخرى علقت عملياتها في البلاد.

التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب ستطول الاقتصاد الدولي، وتلامس رغيف الخبز، مع تفاقم المعركة بين أكبر بلدين مصدرين للقمح، وتوقف الملاحة في بعض موانئ شحن الحبوب بالبلدين وقفزت أسعار السلع العالمية إلى أرقام كبيرة تصل في زيادتها إلى 80 في المئة، على الرغم من ارتفاعها أساساً منذ بدء الجائحة كورونا.

من المرجح الآن حدوث حالة من الركود التضخمي العالمي. فالحرب الأوكرانية ستؤدي لصدمة هائلة للاقتصاد العالمي، فينخفض النمو ويزداد التضخم، وستؤثر الحرب في الأسواق المالية، وستكون التداعيات الاقتصادية، وصدمة الركود التضخمي، على أشدها في الاتحاد الأوروبي، نظراً لاعتماده بشكل كبير على الغاز الروسي. لكن الولايات المتحدة أيضاً ستعاني. فبسبب التكامل العميق بين أسواق الطاقة العالمية، سيؤثر أي ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، التي يمثلها معيار خام برنت، بقوة في أسعار النفط الخام الأميركي.

سيعاني الاقتصاد الأميركي من تباطؤ حاد يميل نحو فتور النمو الناتج عن الركود التضخمي.

مع ازدياد أسعار النفط والغاز الطبيعي، تزداد أسعار الذهب ارتفاعاً.

بالمقابل الأذى الناجم عن العقوبات ضد روسيا سيطول أيضاً الولايات المتحدة، وأوروبا. ومن المحتمل أن ترد روسيا على العقوبات بتدابير مضادة، كخفض إنتاج النفط ما سيدفع الأسعار للمزيد من الارتفاع. ما سيحقق فائدة لروسيا باعتبار الزيادة الإضافية في أسعار النفط أكبر من خسارة صادرات النفط.

ستحاول الولايات المتحدة، الحد من ارتفاع أسعار البنزين عن طريق السحب من احتياطياتها البترولية الاستراتيجية، والطلب من السعودية زيادة إنتاجها، لكن تأثيرها محدود، لأن المخاوف من ارتفاعات الأسعار ستؤدي إلى اكتناز الطاقة على مستوى العالم.

في الوقت الذي يستعد فيه «البنك المركزي الأميركي» لرفع سعر الفائدة تضيف أزمة أوكرانيا صدمة جيوسياسية للأسواق العالمية، ومع استمرار الحرب ستكون الدول النامية هي الأكثر تضرراً من التضخم، حيث يشكل الغذاء والوقود حصة أكبر من الاستهلاك الأسري مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.

وفي الوقت نفسه لا يمكننا تجاهل الاقتصاد الصيني في ظل تداعيات أزمة أوكرانيا، واحتمالات نشوء مواقف سياسية صينية تجعل أميركا وأوروبا تتخذان مواقف مضادة.

هذه الحرب تصعيد لحرب باردة ثانية، حيث تتحدى الصين وروسيا الهيمنة العالمية التي تمارسها الولايات المتحدة والنظام الدولي بقيادة الغرب الذي أنشأته بعد الحرب العالمية الثانية.

هذه الحرب أعنف زلزال يضرب «القرية الكونية» منذ عقود. حرب تعني سعر القمح والرغيف الذي نحتاجه دائماً، وسعر الغاز، وسعر الوقود، في عالم شديد الترابط عملاً بمبدأ الحرب بالوكالة قامت الولايات المتحدة بدفع دول الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا إلى هذه الحرب التي ستنعكس نتائجها سلباً عليهما في وقت تؤكد روسيا أن هدفها تحقيق ضمانات تحمي أمنها القومي.

وستطول تدعيات الأزمة العالم كله وستكشف عن تحالفات «جيوستراتيجية» في إطار نظام عالمي جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن