ثقافة وفن

المعلومات التي تساعد في التأثير … «التحكم الخفي بالإنسان».. يعلم طرق الدفاع عن النفس ضد المتحكمين

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب وضمن المشروع الوطني للترجمة كتاب بعنوان «التحكم الخفي بالإنسان»، تأليف فيكتور بافلوفيتش شينوف، ترجمة الدكتور غسان محسن المتني، حيث قدم فيه أمثلة كثيرة على استخدام هذه الآلية وتطبيقها في العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين، النساء والرجال، الأبناء والآباء، المعلمين والطلاب..إلخ. ويساعد الكتاب أيضاً على استيعاب هذه الطريقة في التحكم بالناس وتعلم طرق الدفاع عن النفس ضد المتحكمين، ويخلص إلى رسالة مفادها أن من يرغب في الظفر بالكثير فعليه الاعتماد على عقله وتفكيره.

كما يستعرض الكاتب مفاتيح التحكم التي يمتلكها من يمارسونه فلكل إنسان مجموعة احتياجات، والمتحكم يعمل على استغلالها وعلى دراسة نقاط ضعف الشخص الهدف ليشعره دائماً أنه بحاجة لمن يلجأ إليه، ويذكر لنا أبرز نقاط الضعف التي يمكن التلاعب بها: الفضول، عدم الثقة بالنفس، الجهل، البخل، الغرور، مدعماً ذلك بالكثير من الأمثلة الواقعية والحقائق التاريخية، موضحاً أثر التقاليد المتبعة في عملية التحكم فيقول «إنه غالباً ما يبنى التحكم الخفي على المتوقع من أعمالنا وردود أفعالنا التي أسست لها منظومة تربيتنا فغرست فينا تقاليد معينة تجعلنا عرضة لهذا التحكم».

وسيلة التفكير

وطرح الكتاب فكرة «الحصول على معلومات للتحكم بالهدف الذي يراد التأثير فيه»، ومن خلال عبرة مهمة خطت بداية هذا الفصل (من يحضّر جيداً للقتال يعتبر مسبقاً نصف منتصر) لسيرفانتس، أوضح أن حركات الأعين لا تعتبر مؤشرات وحيدة على الإدراك ولو أنها سهلة الملاحظة، وبما أن الجسم والعقل ليسا منفصلين، فإن وسيلة التفكير دائماً تظهر في كل شيء، وسترون ذلك إذا عرفتم إلى أين تنظرون. على سبيل المثال، يظهر ذلك في التنفس، لون الوجه والوقفة، فالإنسان الذي يفكر بالأشكال المرئية، يتحدث عادة بشكل أسرع وبنبرة أعلى من ذلك الذي يفكر بطريقة أخرى وتنشأ الأشكال في الدماغ بسرعة وهذا يستوجب الحديث السريع لكي تستطيع مواكبتها، فيصبح التنفس علوياً وأكثر سطحية، وتلاحظ عادة زيادة توتر العضلات وخاصة في الكتفين، ويرتفع الرأس عالياً، ويلاحظ شحوب الوجه أكثر من المعتاد.

هدف التأثير

وأشار الكاتب إلى معنى هدف التأثير إذ ترد تحت مسمى «الهدف» خواص الشخصية، نقاط ضعفها، احتياجاتها، ورغباتها، التي يمارس المبادر التأثير فيها، وبنتيجة ذلك ينفذ كائن التأثير القرارات التي يفرضها المبادر، وعند معالجة الأهداف يجعلها المبادر مسيطرة في وعي كائن التأثير لدرجة كبح ردة الفعل النقدية وإلغاء المحاكمة.

وحول كيفية تشكيل الأهداف يقول: «وفي عملية تدعيم أهداف التأثير يسعى المتلاعب لإيجاد تلك البنى التي بواسطتها الحصول على النتيجة المخطط لها، وإذا كان في اعتقاده أنه لا توجد قوالب جاهزة لتلك الأهداف فيتم تشكيلها مسبقاً في جملة الأحداث، أو مباشرة في عملية التلاعب بكائن التأثير».

سرية النيات

كما تطرق الكاتب إلى السياسة من خلال حياة ونشاط ستالين الذي كان مثالاً رائعاً لما يمكن أن يحصل عليه المرء إذا تمتع بالموهبة النفسية والقدرة على التحكم بالناس، فبالفعل في فترة قصيرة خلق تقديساً لشخصيته لم يعرفه التاريخ من قبل، فقد صدقوا ستالين، وعبدوا ستالين، وخافوا من ستالين، وعندما مات بكى الناس وكأنما هجرهم أعز الناس عليهم. فتمتع ستالين بمهارة إخفاء النيات التي ساهمت في إنجاح التلاعب، فأعلن بكل الوسائل أنه لا يطمح إلى منصب الشخص الأول في الحزب.

التحكم بالمشاهدين

ذكر الكاتب هنا الأساليب التي تتبعها وسائل الإعلام للسيطرة على عقول المشاهدين وجذبهم وغرس الثقافة أو الرسالة التي تؤديها في عقولهم، ومن أبرزها تلاعب المخرجين، جاذبية التمثيل، الظهور المتكرر على شاشة التلفاز، وحول هذا يقول: «إن المشاهدة المتكررة لشخص ما تثير إحساساً بأهميته لذا فالوسيلة الأولى (الترويج) الظهور المنتظم على شاشة التلفاز ويجب القول إن مهنة الممثل لم تصبح مرموقة في المجتمع إلا مع ظهور وسيلة لتقديمه في صالة كبيرة كالسينما».

يعتبر الكتاب دليلاً مهماً لحياة الإنسان المعاصر في زمنٍ كثرت فيه وسائل وأساليب التحكم من وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي باتت أثارها واضحة في كل مجتمع، الأمر الذي يستوجب تحصين العقول وتلقينها سبل الدفاع عن النفس ضد المتحكمين، وأن على الفرد الاعتماد على عقله وتفكيره.

المؤلف

فيكتور بافلوفيتش شينوف أستاذ علم النفس والأستاذ التربوي في معهد التعليم العالي تحت إشراف جامعة بيلاروسيا الحكومية. مؤلف لأكثر من 250 عملاً علمياً وأكثر من 40 كتاباً. كانت درجة الدكتوراه لشينوف عن أطروحة «إدارة النزاعات في البيئات والمنظمات الاجتماعية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن