من دفتر الوطن

بِلَا أجوبة!

| فراس عزيز ديب

طلب المعرفة، منَ الخصالِ التي اختصها اللـه سبحانه وتعالى بالإنسانِ المجتهد المتمرِّد على قضبانِ السجون الفكرية التي تقدم لهُ القوالب الجامدة أو المعلّبة بشتى أنواعها، جعل اللـه سبحانهُ وتعالى هذا الطلب غذاء للروح، مَاء مَعِين يشعر الإنسان بالعطش إليه كلما هانَت عزيمتهُ في طلبها، حتى في علمِ النفس فقد ميَّزَ الفلاسفة «علم النفس المعرفي» عن غيرهِ باعتبارهِ اجتماعاً للأدوات التي يستَعين بها الإنسان من لغةٍ وعقل وذاكرة وإدراك ومشاهدة بهدف معالجة ونقل وتخزين المعلومات، وهذا يعني الوصول لأجوبة عن تساؤلات تشغله.

لكن وكما كل المجالات في هذهِ الحياة، تبقى الدراسة الأكاديمية شيئاً والتجربة العملية شيئاً آخر تماماً، ماذا لو طبَّقَ جميع السياسيون في هذا العالم المبادئ العامة للسياسة الدولية التي يدرسونها، من أينَ يأتِ كل هذا الخراب في العالم لدرجةِ أن السياسة باتت مرتبطة بمصطلح «بلا أخلاق!»، ألسنا فعلياً نعيش في عالم سقطت فيهِ كل الأديولوجيات من دون استثناء!

هذا النزوع للمعرفة غالباً ما يصطدم بالكثير من الأسئلة التي لا جواب لها، إما لأن العلم فعلياً لم يفسّرها، أو على طريقةِ مئات الأسئلة في شرقنا البائس، يُعتبر طرحَها مساً من الجنون، إن لم نذهب نحو تكفير الآخر أو نحره!

أما في الحياة اليومية مثلاً فأنتَ وبكل تأكيد ستصادِف الكثير من هذه الأسئلة، هي ليست من المحرمات لكنها نفسياً تبدو أخطر من المحرَّمات، ببساطة لأنك هنا قد تكون على معرفةٍ كاملة بالجواب، لكنك تحاول تجاهلهُ بكلِّ ما أوتيتَ من قوةٍ، لأن كابوس هذا السؤال أهونَ بكثيرٍ من كابوس الجواب؟!

تخيل نفسكَ وأنتَ تسأل من يهاجم العنصرية الأوروبية مثلاً: وأينَ هو التسامح الذي تبديهِ أنت؟

أكاد أجزم بأننا في هذا الشرقِ البائس آخر الشعوب التي يحق لها الهجوم على العنصرية، فهذا الذي يرى بـ«فينيقيته» قومجية إقصائية طرحت أرضاً كل الأفكار الإقصائية، وذاك فرعوني يرى بنفسهِ أساس الخلق، وذاك دولته مذكورة في الكتب المقدسة، هؤلاء تحديداً يتناسون مثلاً أن قومَ لوطٍ أيضاً مذكورون في القرآن الكريم هل علينا تقديسهم؟ تُرى ماذا لو جُمعت أصوات المُصلين وهم يدعون مع كلِّ صلاةٍ على الآخر، أليسَ هذا فعلاً عنصرياً؟!

ماذا لو سألتَ الذي استفاقَ فجأة على أن هناك يوماً عالمياً للمرأة وقرر إتحافنا بموشحاتٍ عنها، ترى هل المرأة بحاجةٍ إلى يومِ احتفال أم أيام احترام؟ ماذا فعلنا عملياً لكي نكون فعلياً من الذين يحترمونَ المرأة بقوانين تحمي كيانها ولا تحولها بطريقةٍ أو أخرى إلى سلعة، تخيلوا في هذا الشرق أن من يؤمن فعلياً بالمثنى والثلاث والرباع، يحدثنا عن احترام المرأة! هل أعطيتها ميراثها؟ هل تركتَ لها حريةَ اختيار ما تراهُ مناسباً لحياتهِا؟ أليس من مصائبِ الدهر علينا أننا فعلياً نكذب الكذبة ونصدقها!؟

في الخلاصة: تبَّاً لعلم النفس المعرفي ولأدواته، لأننا لو طبقناه على مشاهداتنا الحسية لكانت النتائج كارثية، دعونا نهرب من هذهِ الأسئلة عبرَ مسحها من ذاكرتنا، وعندما نفشل دعونا نستخدم الأسلوب ذاته الذي كان «ختايرتنا» يستخدمونه معنا عندما نطرح أسئلة مُحرجة، كأن نقول مثلاً سنعرف حين نكبُر، يبدو أننا لم نكبر بعد، لذلك دعونا نستخدم الطريق الأسهل: هي أسئلة بلا أجوبة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن