قضايا وآراء

إن كنتم قد نسيتم فنحن لم ننس

| أحمد ضيف الله

انتشرت صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بغداد ومحافظات عراقية وسطى وجنوبية، إضافة إلى قيام الكثير من المواطنين العراقيين بوضع صور الرئيس الروسي وعلم بلاده على واجهات محلاتهم وزجاج سياراتهم، إلا أن الأبرز كان إقامة لوحتين ضخمتين للرئيس بوتين في منطقة الجادرية بالعاصمة بغداد مساء الـ2 من آذار 2022، كتب عليهما بالإنكليزية We support Russia، «نحن ندعم روسيا»، سارعت القوى الأمنية إلى إزالتهما بعد انتشار خبرهما على صفحات التواصل الاجتماعي!

واجهات التطبيع والرافضون لخروج القوات الأميركية من العراق، من الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني وتحالف السيادة الذي يقوده خميس الخنجر ورئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي، سارعوا إلى اتهام قوى من فصائل هيئة الحشد الشعبي وقوى المقاومة ممن يسمونها «مليشيات موالية لإيران»! بأنها هي من علقت هذه الصور، موجهين انتقادات حادة إلى مثل تلك الخطوات، بالتزامن مع وقوف بضعة أوكرانيين في تظاهرة احتجاجية أمام مقر لبعثة الأمم المتحدة وسط مدينة أربيل، مرددين شعارات تطالب بـ«وقف الغزو الروسي لأوكرانيا» وإنهاء الحرب.

العراق كان من بين الدول الـ35 التي امتنعت عن التصويت، على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الحرب الروسية على أوكرانيا في الـ2 من آذار الجاري، وهو ما ينسجم مع تأكيد الخارجية العراقية في بيان لها في الأول من آذار 2022 على «التزامها الحياد في جميع النزاعات ومنها الأزمة الروسية الأوكرانية»، وعلى «ضرورة التمسك بالطرق الدبلوماسية لحل الأزمة».

وبطبيعة الحال، أزعج الموقف العراقي من الأزمة الروسية الأوكرانية، بعض الأطراف العراقية القريبة من الولايات المتحدة الأميركية وتركيا والتوابع الخليجية، واعتبروا أنه جاء «بتأثير إيراني»، ما زاد من حالة التأزم والتشظي بين القوى السياسية العراقية المتصارعة أساساً بشأن انتخاب رئيس الجمهورية.

الشعب العربي في غالبيته لا يخفي تأييده ودعمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كرد على المواقف الأميركية والغربية الداعمة لإسرائيل، المحتلة لفلسطين والأراضي العربية، وتجاهلهم أعمال القتل والقمع اليومية الإجرامية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ولقيامهم بغزو العراق واحتلاله، ولما لعبوه من أدوار إجرامية خبيثة في تدمير العراق وليبيا واليمن وسورية.

وما زاد من ذلك، ازدواجية معايير التعامل الأوكراني الاستعلائية مع العرب والأفارقة والجنسيات الأخرى الهاربين من جحيم القتال في أوكرانيا، بإنزالهم قسراً من القطارات والحافلات المتوجهة إلى حدود دول الجوار الأوكراني، والتمييز العنصري الذي لاقاه هؤلاء الفارون في الدول التي لجؤوا إليها.

أوكرانيا كانت من أوائل الدول المؤيدة والداعمة للقرار الأميركي بغزو العراق، وشاركت مع بريطانيا وبولندا و36 دولة أخرى في غزوه، الذي بُدأ في حملة قصف كثيفة ومرعبة في الـ20 من آذار 2003 أطلقوا عليها اسم «الصدمة والترويع».

غزو العراق عمل إجرامي، وأوكرانيا التي تمركزت في مدينة الكوت بمحافظة واسط شاركت بالغزو بفعالية، وتكبدت نتيجة عملياتها الهمجية في العراق، 18 قتيلاً و33 جريحاً، لتنتقل بين عامي 2005 و2008 للعمل تحت قيادة بولندية في محافظة القادسية، التي تكبدت هي الأخرى 17 قتيلاً.

استذكار الطبيعة العدوانية للمحتل مؤلم، والأشد إيلاماً، الذكريات القاسية والموجعة لحصار العراق، وتجويع مواطنيه وحرمانهم من الغذاء والدواء، ومن ثم غزوه وتدميره، الذي تسببت في ترويع العراقيين، وقضائهم أياماً وليالي من دون كهرباء ولا ماء يصلح للشرب، وهم في حالة رعب من هجمات الطائرات المعتدية في «الصدمة والترويع» التي قصفت كل محطات الكهرباء والماء والصرف الصحي، والجسور، والصوامع، والمخازن الغذائية، متسببة في مقتل العديد من الأطفال والنساء الأبرياء.

العراقيون لم ينسوا، ومن الطبيعي ألا يتعاطفوا مع أوكرانيا التي غزت بلادهم وقتلت أبناءهم، رافعين صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإعلام بلاده التي كانت دائماً مع الحقوق العربية المشروعة، والتي ساندت وقاتلت قوى الإرهاب العالمي بقيادة أميركا وإسرائيل ودول الغرب المتوحش إلى جانبهم.

الأميركيون والدول الأوروبية غزت العراق البعيد عنهم، بحجة تهديد أمنهم القومي! فما العجب إن دافعت روسيا عن أمنها القومي، ضد دولة سمحت في إقامة مراكز أبحاث بيولوجية أميركية على حدودها، وتطوعت لتكون رأس حربة عدوانية تهدد أمن واستقرار روسيا والمنطقة؟

الغريب أنه مازال هناك من يرى أن أميركا هي المنقذ الوحيد لهم، منحنين إجلالاً لها، مقدمين كل فروض الطاعة لعظمتها!

مارتن لوثر كينغ، المدافع عن حقوق السود في أميركا ضد الاضطهاد والتمييز العنصري، كان قد قال يوماً: «لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً».

عدم الرد على هواتف الرئيس الأميركي جو بايدن، لا يعني أن ظهورهم استقامت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن