بعدما جمعت بين كل الثقافات والحضارات … قرائح الشعراء تجود في وصف دمشق وجمالها
| وائل العدس
هي أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، تحطمت على أسوارها جيوش الغزاة ومن عرينها انطلقت الحضارة العربية إنها عاصمة الدولة الأموية التي امتدت حدودها من أطراف الصين شرقاً حتى جنوب فرنسا والأندلس غرباً.
إنها دمشق صاحبة الحضارة والرسالة والأبجدية الأولى التي حكمت الدنيا بالعلم والمعرفة والتسامح والإخاء.
جمعت دمشق بين كل الثقافات والحضارات وتميزت بطابع خاص جعل كل من فيها يعشقها وكل من يزورها يتغنى بجمالها، إذ لم يزرها شاعر أو رحالة أو أديب أو زائر أو سائح إلا وفُتن بجمال طبيعتها وطيبة شعبها ومواقفها الوطنية والقومية، فجادت قرائح الشعراء السوريين والعرب في وصف دمشق وغوطتها وبساتينها ونهر بردى وفروعه.
وقد ورد وصف دمشق على ألسنة الكثير من الشعراء العرب، وسنتوقف هنا عند أبرز الشعراء السوريين والعرب الذين كتبوا عن تمجيد دمشق ودورها الحضاري قديماً وحديثاً.
في العصور القديمة
تغنى الشاعر والصحابي حسان بن ثابت المولود قبل خمسين سنة من الهجرة بدمشق وأهلها قائلاً:
لله در عصابة نادمتهم يوماً
بجلق في الزمان الأول
يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفّق بالرحيق السلسلِ
بـيض الوجوه كريمة أحسابهم
شم الأنوف من الطراز الأول
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم
لا يسألون عن السواد المقبل
وفي العصر العباسي استرسل الشاعر البحتري في وصف دمشق وجمالها:
أما دمشق فقد أبدت محاسنها
وقد وفى لك مطريها بما وعدا
قل للإمام الذي عمت فواضله
شرقاً وغرباً فما نحصي لها عددا
الله ولاك عن علم خلافته
والله أعطاك ما لم يعطه أحدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا
ويصبح النبت في صحرائها بددا
كأنما القيظ ولى بعد جيئته
أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
أما قرينه الشاعر العباسي أبو تمام فأسهب في وصف دمشق قائلاً:
لولا حدائقها وأني لا أرى
عرشاً هناك ظننتها بلقيسا
وأرى الزمان غدا عليك بوجهه
جذلان بساماً وكان عبوسا
قد بوركت تلك البطون وقد سمت
تلك الظهور وقدست تقديسا
أبو النواس أيضاً تغزل بغوطة دمشق أيام العصر العباسي قائلاً:
يؤممن أرض الغوطتين كأنّما
لها عند أهل الغوطتين نذور
أما الشاعر أبو بكر الصنوبري فزار دمشق قادماً من بلاط سيف الدولة الحمداني فقال فيها:
صفت دنيا دمشق لساكنيها
فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلور فيها
خلال حدائق ينبتن وشيا
أما الشاعر والمؤرخ المقري التلمساني فلم يستطع أن يكتفي بنظرة الباحث وهو يتحدث عن دمشق قائلاً:
محاسن الشام أجلى من أن تسام بحد
لولا حمى الشرع قلنا ولم نقف عند حد
ومن الأندلس جاءها الشاعر لسان الدين بن الخطيب فبهره حسنها ورآها قطعة من الجنة وقال في وصف دمشق:
بلد تحف به الرياض كأنه
وجه جميل والرياض عذاره
وكأنما واديه معصم غادة
ومن الجسور المحكمات سواره
أبناء سورية
أما الشعراء من أبناء دمشق الذين ولدوا فيها أو عاشوا فيها، فقد تغنّوا بجمالها وفاخروا بانتمائهم إليها ووصفوا غوطتها وحواريها، فها هو الشاعر خير الدين الزركلي يقول مفتخراً في قصيدة «أنا من دمشق»:
قالت أمن بطحاء مكة جارنا؟
قلت: الهناء لمن دعوت بجارك
أنا من دمشق وقد ولدت بغيرها
وسكنت أخرى والحنين لدارك
أما الشاعر شفيق جبري فيقول في قصيدته مرحباً بأمير الشعراء أحمد شوقي عندما زار دمشق عام 1925 تعبيراً عن المصير المشترك لبلاد الشام وأرض الكنانة:
وإذا الشدائد بالكنانة أحدقت
وثبت دمشق فقطّعت أوصالها
لو تشتكي مصر أذى بشمالها
بترت ربوع الغوطتين شامها
إنّ العروبة في الشآم تآصلت
كرّ الليالي ما يطيق نزالها
ويقول شفيق جبري أيضاً مرحباً بشاعر النيل حافظ إبراهيم عندما زار دمشق عام 1929تعبيراً عن مواقفها الوطنية والقومية:
إذا بكت جنبات النيل من ألم
بكت دمشق بدمع منه هتان
أواصر ببيان العرب محكمة
النيل والشام في الآلام صنوان
أما الشاعر نزار قباني فكثرت أشعاره عن معشوقته دمشق فيقول في قصيدة بعنوان «من مفكرة عاشق دمشق»:
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
يا شام إن جراحي لا ضفاف لها
فمسّحي عن جبيني الحزن والتعبا
وفي «القصيدة الدمشقية» يقول:
هذي دمشق.. وهذي الكأس والراح
إني أحب… وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقي.. لو شرحتم جسدي
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح
مآذن الشـام تبكـي إذ تعانقـني
وللمـآذن.. كالأشجار.. أرواح
ويصف الشاعر الدمشقي محمد البزم دمشق بأنها ريحانة الدنيا بقوله:
ريحانة الدنيا وظل نعيمها
من قبل مولد يعرب وثمودا
أخت الخلود وما الخلود مفارق
برداك ما عشق الأناس خلودا
وتقول قصيدة للشاعر السوري على أحمد سعيد الملقب بأدونيس:
أومأتِ
جئتُ إليكِ حنجرةً يتيمه
أقتاتُ، أنسج صوتَها الشَّفقيّ من لُغةٍ رجيمه
تتبطّنُ الدنيا وتخلع باب حكمتها القديمَهْ
وأتيتُ، لي نجمٌ ولي نارٌ كليمه
يا نجمُ، رُدّ لي المجوسَ
فالكونُ من ورقٍ وريحِ
ودمشقُ سرّة ياسمينْ
حُبلى،
تمدّ أريجَها
سقفاً
وتنتظرُ الجنينْ.
بدورها وبعد أن زارت مختلف المدن العالمية، تقول الأديبة غادة السمان في دمشق:
أعرف أنني مهما ركبت من طائرات وقطعت من محيطات
ورقصت بين القارات، ما زلت أتسكع في الزقاق الشامي الذي
ولدتُ فيه جيئةً وذهاباً منذ طفولتي وحتى أموت…
ومهما اغتسلت في مياه التايمز والدانوب والسين
والميسيسيبي والراين، لا تزال مياه بردى تبللني وحدها ولا
تجف عني.
أعرف أنني أينما كنت، ما زلت في بيتي الدمشقي تحت ظل
عينيك يا حبيبي الوحيد، يا زين الشباب، يا قاسيون الأبد..
وفي قصيدة بعنوان «في الشام» يقول الشاعر سليمان العيسى:
أنا في الشآم.. وما أرقّ
الشام.. أهبطها سجينا!
هذا الشتاء.. أحسه
فيها ربيع الحالمينا
الغوطة الخضراء..
لم تك قبلُ مُترعَةً فتونا
أما الشاعر والوزير خليل مردم بك الشاعر السوري مؤلف النشيد السوري «حماة الديار» فوصف مدينته قائلاً:
كم من أزاهير الرياض لناظر
من مقلة وسنا وخد ناضر
ماست أماليد الغصون بوشيها
معطارة وازينت بجواهر
ومن أجمل قصائد بدوي الجبل قصيدة بعنوان «أهوى الشآم» يرد فيها على دعاوى المستعمرين، ويقول فيها:
قف بالشآم مسائلاً آثارها
مرحى لمن أمّ الشآم وزارها
أهوى أزهارها أحنّ لعهدها
أشتاق بلبلها أحب هزارها
قضيت أيامي القصار بظلها
جادت مدامع مقلتيّ قصارها
الشعراء العرب
عبّر الشعراء العرب عن حبهم لدمشق فباحوا بمشاعرهم وأحاسيسهم لهذه المدينة العظيمة التي تشكّل عنواناً للتآخي القومي وهذا ما عبّر عنه شاعر النيل حافظ إبراهيم بقوله:
لمصر أم لربوع الشام تنتسب
هنا العلا وهناك المجد والحسب
ركنان للشرق لا زالت ربوعهما
قلب الهلال عليها خافق يجب
إذا ألمت بوادي النيل نازلة
باتت لها راسيات الشام تضطرب
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فيصف دمشق وجمال طبيعتها وناسها عندما زارها وفتن بجمالها وسحرها فوصفها بجنة اللـه على الأرض فأنشد قائلاً:
آمنت بالله واستثنيت جنته:
دمشق روح وجنات وريحان
لولا دمشق لما كانت طليطلة
ولا زهت ببني العباس بغدان
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا
فقد مضى على الرسم أحداث وأزمان
على حين يسكب شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري قوافيه وقد عبأها من دنان دمشق العطرة فيعبر عن مشاعره الصادقة لهذه التي احتضنته وأحبته فتبادلا الحب والمشاعر الطيبة فيقول في قصيدته المشهورة «دمشق يا جبهة المجد»:
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا
وسرت قصدك لا خباً ولا مذقاً
وما وجدت إلى لقياك منعطفاً
إلاّ إليك ولا ألفيت مفترقا
كنت الطريق إلى هاو تنازعه
نفس تسدّ عليه دونها الطرقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلداً
لكن كمن يتشهى وجه من عشقا
فخراً دمشق تقاسمنا مراهقة
واليوم نقتسم الآلام والرهقا
أما الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي فاختار دمشق موطناً استقر فيه فأحبه وتغنى بجماله فيقول في قصيدته «دمشق»:
أتيت جلّق مجتازاً على عجل
فأعجبتني حتى اخترتها وطنا
لا يبرح الحسن يوماً عن مرابعها
كأنما الحسن من قدم بها افتتنا
أيقنت أني من أهل الجنان ففي
دمشق أسكن جنات تفيض هنا
عجبت ممن أتاها كيف يبرحها
فهل يرى في سواها عن دمشق غنى؟
ويقول الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي في قصيدة « جلق الفيحاء»:
ما جلق الفيحاء غير قصيدة
الله غناها فجن لها الورى
خلع الزمان شبابها في أرضها
فهو اخضرار في السفوح وفي الذرا
حاولت وصف جمالها فكأنني
ولد بأنمله يحوش الأبحرا
أدركت تقصيري وضعفي عندما
أبصرت ما صنع الإله وصورا
إني شهدت الحسن غير مزيف
بئس الجمال مزيفاً ومزورا
ولا ننسى قصائد الشاعر اللبناني سعيد عقيل الذي كتب لدمشق قصائد مغناة ترنمت بها الفنانة الكبيرة فيروز ومن إحداها نقتطف هذه الأبيات:
يا شام عاد الصيف متئدا وعاد بي الجناح
صرخ الحنين إليك بي أقلع ونادتني الرياح
وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح
يا شام يا بوابة التاريخ تحرسك الرماح
وفي قصيدة بعنوان «سلام من صبا بردى» للشاعر المصري أحمد شوقي:
سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي
جلال الرزء عن وصف يدق
وذكرى عن خواطرها لقلبي
إليك تلّفت أبداً وخفق
وبي مما رمتك به الليالي
جراحات لها في القلب عمق
وتحت جنانك الأنهار تجري
وملء رباك أوراق وورق
وأكد الشاعر اللبناني بشارة الخوري «الأخطل الصغير» أن قلبه تعلق بدمشق:
بردى هل الخلد الذي وعـدوا به
إلاك بين شوادن وشوادي
قالوا تحب الشآم قلت جوانحي
مقصوصة فيها وقلت فؤادي
ولم تغب دمشق عن شعر الشاعر اللبناني خليل مطران:
نفديك بالأرواح والأجساد
إن كان قول فادياً لبلاد
يا حسن حاضرة العروبة إنها
في كل معنى نجعة المرتاد
وللشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري قصيدة «جبهة المجد» التي قال فيها:
إذ مسكة الربوات الخضر توسعنا
بما تفتق من أنسامها عبقا
إذ تسقط الهامة الإصباح يرقصنا
وقاسيون.. علينا ينشر الشفقا