من دفتر الوطن

الغول طليقاً!

| عصام داري

بصراحة أنا لا أؤمن بالعديد من الحكم والمقولات القديم منها والحديث، وهل من الضروري أو الإجباري أن نؤمن بتلك «الحكم»؟

على سبيل المثال هناك حكمة قديمة نرددها جميعاً تقول: إن «المستحيلات ثلاثة هي الغول والعنقاء والخل الوفي» فهل هذه الثلاثية المستحيلة هي كذلك فعلاً؟
أظن أنها حكمة جوفاء وغير حقيقية وسأقدم الدليل القاطع.
فالغول كائن خرافي يرد ذكره في القصص الشعبية والحكايات الفلكلورية. يتصف هذا الكائن بالبشاعة والوحشية والضخامة، وغالباً ما يتم إخافة الناس بقصصه.
أما العنقاء فهي طائر كبير الحجم جميل المظهر يقال إنه خطف جارية وضمها بين جناحيه وطار بها إلى المجهول، وهناك قصص شعبية تزعم أن هذا الطائر يخطف الناس ويذهب إلى عشه في أعالي الجبال.
والخل الوفي هو الصديق الوفي أو الحبيب، فهل خلت الدنيا من هؤلاء «المستحيلات»؟
نأتي إلى الشرح والتفسير، فلكل كلمة تفسير مختلف عندي، فالغول موجود بيننا يسرح ويمرح ويذبح ويبلع وصار اليوم أكثر وحشية وبطشاً وإجراماً بحق البشر، لكننا لا نشاهده بالمظهر الذي أوردته سابقاً، بل هو وحش على شكل البشر تماماً وبالبزة وربطة العنق!إنه التاجر الذي يحتكر المواد الغذائية وغيرها ويرفع الأسعار من دون مسوغ ويقتات من دم الشعب.
الغول هو الفاسد الذي ينهب المال العام ويقول: «ما شفت شي»! أي لم أر شيئاً، وهو اللص الذي يسرق أرزاق الشعب والوطن ويحولها إلى بنكنوت يودعها في مصارف سويسرا وجزر كايمان!
هو كل شخص بنى قصوراً وامتلك سيارات فارهة ويتمتع بطيبات ما رزقناكم وجاره يتضور جوعاً، ومازال الغول طليقاً.
أما العنقاء فيبدو أنها من تخطف زوج صديقتها، أو هي صاحبة الغول «اللزم» فتطلب منه المزيد وهو يزيد على ما تريد!
أخيراً، الخل الوفي، ويقال إن الخل أو الصديق الوفي غير موجود في هذا الزمن الغادر والقاهر، فكل الناس تلتزم عبارة(اللهم أسألك نفسي)!
بصراحة، وكل من يعرفني شخصياً أو هو قريب مني بشكل من الأشكال، فأنا لم أجمع الذهب والفضة، ولم أكوّن ثروة، مهما كانت صغيرة، فلا أمتلك بيتاً ولا مزرعة ولا كوخاً ولا حتى خيمة تقيني من حر الصيف وزمهرير الشتاء، فكل ثروتي هي الأصدقاء الذين أفتخر بهم وأعتز بصداقتهم، هؤلاء الأصدقاء أثبتوا لي في كل سنوات حياتي بطلان الحكمة التي تقول إن الخل الوفي من المستحيلات.
ليس عيباً تسمية أشخاص بعينهم كأصدقاء لنا، فهذا نوع من الوفاء والاعتراف بفضلهم وطيبة معدنهم ووفائهم لأصدقائهم، وأنا هنا أسجل صديقين هما الأكثر وفاء لي في مسيرة حياتي الطويلة عرفانا مني بالجميل، وهما وضاح عبد ربه وطالب قاضي أمين، قد لا يعرف الكثيرون هذين الرجلين، لكنني أنا أعرفهما منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمن، وأشعر بالسعادة لأنهما في حياتي.
قال حكيم: للإنسان صديق ونصف الصديق، فسألوه:كيف ذلك؟فأجابهم:نصف الصديق الذي يفديك بكل ماله، أما الصديق فهو الذي يفديك بحياته وروحه، بهذا المعنى صدقت الحكمة التي أتحدث عنها، لكنني لا أتراجع عن قناعاتي وتشكيكي بحكم وجدت كي تلغي تفكيرنا وتكون خياراتنا ولو كانت على خطأ مبين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن