من دفتر الوطن

نزار قباني والجرائم الإلكترونية

| عبد الفتاح العوض

لو… أن قانون الجرائم الإلكترونية كان يطبق زمن نزار قباني… أو لو أن نزار قباني يعيش هذه الأيام وكتب ما كتب فكم مرة عليه أن يزور المحاكم بقضايا لها علاقة بشعره ونثره… سواء كان حديثه عن الحب وما هوى أم عن القضايا السياسية وما حولها!!

الرجل وهو دبلوماسي تم النقاش حول قصائده بصخب تحت قبة البرلمان وفي ذاك الوقت قال خالد العظم وكان وزيراً للخارجية إن كان نزار قباني هجاكم بقصيدة فيمكن أن نهجوه بقصيدة مضادة وكفى اللـه المؤمنين شر القتال.
ماذا لو حوكم نزار قباني على قوله: «لتروا كيف ستسيل صخرة اللـه بالشعر.. لتروا كيف يجلس اللـه على مسند حرف» أليس هذا الكلام كافياً ليحاكم بالإساءة للشعائر الدينية.. والقرآن كان صريحاً على أن الشعر لا ينبغي حتى للرسول (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين).
ماذا لو حوكم نزار قباني على قصيدة متى يعلنون وفاة العرب. وأهون ما فيها «أيا وطني جعلوك مسلسل رعب.. نتابع أحداثه في المساء.. فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء».
تعالوا نحاكم نديم محمد وهو يتلو قصيدته عن مسؤولي ذاك الزمن…… يا وزير الاقتصاد الوطني بالله قل لي كيف أصبحت غنياً». ويمكنكم البحث عن تتمتها فهي مشهورة.
أقول هذا للحديث عن آلية التفكير التي تناقش مشروع قانون الجرائم الإلكترونية ونحن الذين نؤمن بالكلمة ونعرف حجم الضرر الذي يمكن أن تحدثه.. لكن الرد على معظمها يمكن أن يكون بكلمة مقابلة وليس بهذه العقوبات القاسية.
إن الذين يهدمون الاقتصاد الوطني لا يكتبون على الفيس بوك ولا يجيدون الحديث في الإعلام والذي يتلاعبون بالدولار ليس لديهم وقت للواتس أب.
ندرك جيداً كم الخطايا الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي، وما يجري في العالم يزيد الإضاءة على الطريقة التي تم فيها استثمار هذه الوسائل لغايات غير نبيلة لكن القسوة في القوانين لا يحل المشكلة هنا بل يزيدها أذى وضرراً، فآلية هذه الوسائل تصبح أكثر قوة عندما تسمح للآخرين فقط بالحديث عن ما يجري في الخفاء. ولدينا تجارب مهمة في أن القانون لا يفعل الكثير في بعض القضايا فمثلاً هل استطاع القانون أن يحد من ارتفاع سعر الصرف. فالقانون سيطبق على السوريين هنا وسط الوجع.
فالذي يحكم على رأي أنه جريمة أو غير جريمة هو دافعه فإن كان خدمة لدولة أجنبية فهو لم يعد جريمة إلكترونية بل أصبح خيانة وإن كان رأياً غير صائب فهو ليس أكثر من خطأ نرد عليه بالصواب أو باعترافه أنه كان على خطأ.
هناك قضايا كثيرة يمكن أن تشكل مدخلاً لعلاجها من دون أدوية يكون لها آثار سلبية وجانبية أكثر مما تفيد في علاج المرض الأساسي. أدوية تسبب مشاكل أكثر مما تحلها، كما أنه في كل القوانين ثمة مادة تسمح بالتسويات بين المتخاصمين وتفتح مجالاً للصح لكننا هنا أمام مشروع قانون يصرخ بغضب أنا هنا للعقاب والحساب.
آخر الكلام.. هذه العقوبات مثل رسوم جمركية على الكلمات… لا تجعلوا الأفكار تدخل إلينا تهريباً.

أقوال:
• لا تعذليني أن كشفت مواجعي وجه الحقيقة ما عليه نقاب.
• القتلة لا يبحثون عن فلسفة، بل يبحثون عن أجورهم.
• حيثما سمعتَ صوت صراخ الأخلاق يرتفعُ على باب البيت فادخل سريعاً لتتفقد الجريمة التي تحدث في الداخل!
• وآفة هذه القوانين أنها لم تُسن لمنع الجريمة أن تقع، ولكن للعقاب عليها بعد وقوعها.
• العدل لا يحتاج إلى فهم بقدر ما يحتاج إلى إحساس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن