قضايا وآراء

نظرية واشنطن في الإرهاب

| منذر عيد

عبْر انخراط الولايات المتحدة الأميركية، في جل النزاعات حول العالم وتدخلها في شؤون العديد من الدول، عملت على استخدام مسلحين من خارج مواطنيها، بشكل مباشر أو غير ذلك، للقتال إن لم يكن إلى جانبها في خندق واحد وبشكل مباشر، فأقله القتال ضد خصومها، ضمن خندق موازٍ لخندقها، في أرض المعارك التي دخلت فيها، واللافت في ذاك الاستخدام، المبررات والذرائع التي تدعيها الولايات المتحدة الأميركية عبر إداراتها المتعاقبة، لاستخدام أولئك المسلحين، والتسميات التي تطلقها عليهم، ليشهد العالم تطوراً في مسميات تلك المجموعات المسلحة، يشبه إلى حد كبير نظرية دارون في تطور الإنسان.

لن نغوص بعيداً في جرائم الولايات المتحدة الأميركية حول العالم، ونكتفي من أفغانستان حينما دعمت جماعات إرهابية، أطلقت عليها تسمية «جهاديين» وقال فيهم الرئيس الأميركي رونالد ريغان: «هؤلاء السادة يساوون أخلاقياً الآباء المؤسسين للولايات المتحدة»، ومن هنا كانت تطور مسميات التنظيمات الإرهابية، مروراً ما جرى بعد الغزو الأميركي للعراق، ومطالبة العراقيين برحيل قوات الاحتلال لاحقاً، ليتم إنشاء تنظيم القاعدة، وصولاً إلى النصرة وداعش في سورية، وسعي الإدارة الأميركية جاهدة إلى تصنيف تلك التنظيمات «بالمعارضة المعتدلة» للاستثمار فيها لاحقاً، واستخدامها مطية حيناً وورقة ضغط وابتزاز أحياناً أخرى.

بين «جهاديين» و«معتدلين» وإرهابيين، تطلق التسمية على المولود الأميركي وفق المكان والهوية والهدف، ليتم تحويلهم جميعاً إلى صفة واسم واحد وهو «مرتزقة» حينما وصل الأمر إلى أوكرانيا والحرب ضد القوات الروسية، حتى إن النظام الأوكراني، شرعن الارتزاق والإرهاب حينما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بإعلانه تشكيل ما يسمى «الفيلق الدولي» لجمع الإرهابيين والمرتزقة في شتات الأرض وحشدهم في مواجهة روسيا.

بعد انتهاء الدور الوظيفي لإرهابيي الإدارة الأميركية بصفة مطية، واستخدامهم سبباً لشن حرب إرهابية على سورية، حان الوقت ليتحولوا إلى ورقة ضغط وابتزاز في وجه الروسي في أوكرانيا، حيث تؤكد المعلومات قيام قوات الاحتلال الأميركي بالتعاون مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية– قسد» الانفصالية بنقل العشرات من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي المحتجزين في السجون التي تسيطر عليها الميليشيات في كامب البلغار والشدادي والصور بريف الحسكة إلى سجون أخرى بالريف الشمالي للمحافظة، وذلك في سياق سيناريو مكرر لوقائع سابقة أثبتت لجوء الاحتلال الأميركي إلى استثمار التنظيم الإرهابي لفرض مخططاته على شعوب المنطقة.

في أوكرانيا سقطت حتى ورقة التوت التي كانت تستر عورة الغرب «الديمقراطي»، فإذا كان ثمة شخص في العالم يؤيد وجود تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» وجميع ما ولد عنهما من تنظيمات أخرى، في العراق وسورية، بحجة أنهم ينشدون «الخلافة الإسلامية»، ما مبرر وجود تلك التنظيمات في أوكرانيا، وفي خندق واحد مع النازيين الجدد، ربما يقول قائل، إن جحيم أوكرانيا فرصة سانحة لمن أوجد تلك التنظيمات للتخلص منها، لكن الحقيقة بخلاف ذلك، حيث إن تلك التنظيمات، أو ما يتبقى من مسلحيها، سيتخذون أوكرانيا مقراً ومستقراً، للتشظي في عموم أوروبا، وليتحولوا إلى خنجر في خاصرة «العجوز»، عندما لا يجد أولئك الإرهابيون ما يقتاتون عليه لإشباع نهمهم المادي والدموي.

إن حشد شذاذ الآفاق ممن لا عقيدة لهم ولا وطن ولا قضية ولا مبدأ، إلا المال للقتال في أي مكان أو زمان وتحت أي راية، في أوكرانيا، جنباً إلى جنب مع المتطرفين النازيين، يشير إلى اعتراف دولي بأن أولئك المتطرفين في أوكرانيا أو حتى العالم، هم على حق، ويضع داعمي «المرتزقة» ممن حارب النازية والفاشية، أمام تناقض كبير في المواقف والمعتقدات، فالتطرف يبقى تطرفاً، سواء أكان هتلر أم موسوليني أم زيلينسكي، ليبقى السؤال الأهم، من سيحد من جموح ورغبة باقي اليمين المتطرف في الدول الأوروبية، بعدم السير على خطا «اليمين» في كييف، وطلب الدعم ضد هذه الحكومة الأوروبية أو تلك بذريعة ما يجري في أوكرانيا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن