في تحليله للموقف الإسرائيلي المتردد من الاصطفاف العلني مع الولايات المتحدة وأوروبا ضد روسيا في الحرب الجارية في أوكرانيا، يرى الجنرال المتقاعد عاموس يادلين، وهو رئيس سابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية ومدير سابق لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أن على إسرائيل «اتخاذ موقف علني مضاد للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا والوقوف عند السياج»، ويضيف إن السبب الذي يجعل الحكومة الإسرائيلية مترددة في الإعلان عن الاصطفاف مع حلفائها التاريخيين والطبيعيين في الغرب يعود إلى «اعتبارات يفرضها الأمن الإسرائيلي الإستراتيجي وأهمها الحسابات التي تتعلق بالجوار الإسرائيلي المعادي»، أي سورية وإيران والمقاومة اللبنانية ومن يتحالف معها في المنطقة وما يشكله هذا المحور من أخطار.
يحذر يادلين من توجيه الغرب اللوم على إسرائيل التي تجابه بموجب ما يقول جدول عمل عسيراً في ظل ميزان قوى صعب في المنطقة، ويوضح أن هذه الأطراف كانت وما زالت حليفة لروسيا التي تدعم قدراتها العسكرية، وتشارك قواتها مع سورية وإيران في محاربة المجموعات المسلحة منذ سنوات كثيرة.
ويبدو أن الحقيقة التي تستمد من هذا التشخيص والتحليل الذي يعرضه يادلين هي أن إسرائيل لم تستطع طوال عقود ماضية إيقاف تطور وزيادة قوة هذا المحور رغم السنوات العشر الماضية التي شنت فيها إسرائيل والغرب الحرب الكونية عليه وهزمت في هذه الحرب على يد محور المقاومة، فالحكومة الإسرائيلية فشلت حتى في مواجهة إيران وموضوعها النووي وطوال عشرين سنة من التهديد وها هي ترى أن واشنطن نفسها ورغم ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، ما تزال تسعى إلى عقد اتفاق مع إيران بمشاركة الدول الكبرى، وهذا ما جعل معظم المسؤولين في إسرائيل يعترفون أن توصل الغرب إلى اتفاق مع طهران في الموضوع النووي يلحق الضرر بإسرائيل، بل إن عدم الاتفاق أيضاً سيلحق الضرر بها طالما عجزت الولايات المتحدة عن شن حرب مباشرة على طهران ومفاعلاتها النووية.
لا شك أن الانشغال الأميركي والغربي بموضوع أوكرانيا وتصعيد المواجهة ضد روسيا في العقوبات والحملات التحريضية الإعلامية، سيفرض على الولايات المتحدة الامتناع في هذه الظروف عن فتح جبهة صدام مباشر إقليمية مع طهران أو محور المقاومة، وهذا ما تدركه إسرائيل نفسها أمام الوضع الدولي الذي يواجه فيه الغرب روسيا، حتى الآن، بالعقوبات ومن دون أن يتوقف عن العمل الدبلوماسي والمفاوضات بين موسكو وكييف، ففي مثل هذا الوضع لن يكون من مصلحة واشنطن توسيع الحرب طالما أنها تجنبت حتى الآن الصدام المباشر مع روسيا ولن تفضله في هذه الظروف مع طهران ومحور المقاومة.
في النهاية لا شك أن إسرائيل فوجئت بكل هذه التطورات التي ولدتها المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية موضوع أوكرانيا وتحريضها على روسيا، فإسرائيل ترى أن العالم بعد هذه المواجهة ستضعف فيه قوة النظام العالمي الأميركي أحادي القطب، ولن يخرج من هذه الأزمة المتصاعدة على الساحة العالمية إلا بأسوأ النتائج عليها سواء اتجهت نتائجه نحو حافة حرب نووية أو نحو حرب استنزاف يشنها الغرب على روسيا في الموضوع الأوكراني، لأن هذا الاستنزاف سيدفع روسيا إلى حشد كل حلفائها وتعزيز قدراتهم بأسلحة وقوة تقف إلى جانبها في مجابهة الغرب من النواحي العسكرية أو الاقتصادية، وهذا ما تخشاه إسرائيل، أما في حالة التوصل إلى حل وسط يحافظ على مصالح المعسكر الروسي والمعسكر الأميركي بشكل مقبول ومضمون النتائج، فإن إسرائيل ستجد في هذه النتيجة نوعاً من الهدنة أو التهدئة التي تسبق جولة أو جولات من التوتر الدولي والاستعدادات الإقليمية في المنطقة لكل طارئ لأن الصراع فيها لن يتوقف إلا بتحقيق مصالح أطراف محور المقاومة والمحافظة على زيادة قوتها واتساع تحالفاتها في المنطقة نفسها ولاسيما أن هذا المحور سيضع هو أيضاً شروطه في أي حل وسط دولي وإقليمي.