قضايا وآراء

الشمس لا تحجب بغربال

| أحمد ضيف الله

مديرية مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان، أعلنت في بيان لها في الـ13 من آذار 2022، أن «القصف الذي تعرضت له مدينة أربيل في ساعات الصباح الأولى من فجر ذلك اليوم قد تم عبر 12 صاروخاً باليستياً انطلقت من خارج الحدود العراقية»، مشيرة إلى أن «القصف استهدفت محيط القنصلية الأميركية من دون خسائر بشرية». كذلك قال محافظ أربيل أوميد خوشناو في مؤتمر صحفي: إن «الغرض من القصف استهداف مجمع القنصلية الأميركية التي هي قيد الإنشاء وإن الهجوم لم يحقق هدفه إلا أن الصواريخ الـ12 سقطت على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين، وأماكن فارغة»!

إقليم كردستان، ببارزانييه وفضائياته، ظلوا متمسكين ومسوقين لرواية استهداف مبنى القنصلية الأميركية، وعلى الشاكلة ذاتها روجت الفضائيات الإسرائيلية، وتلك الخليجية المتصهينة والأخرى العراقية الممولة من الدول المطبعة، الرواية ذاتها.

بالمقابل، أدانت الرئاسات العراقية الثلاث الاستهداف الصاروخي، مؤكدة رفضها «المطلق لأي اعتداء خارجي يمس الأراضي العراقية ومن أي جهة كانت».

الروايات تلك، نُسفت بعد تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لشبكة «سي بي إس»، أن «الهجوم، لم يستهدف أي منشآت أميركية»، وهو «لم يُصب أي مواطن أميركي»، وتبدلت بعد إعلان العلاقات العامة للحرس الثوري الإسلامي في بيان لها، من أن الاستهداف كان لـ«المركز الاستراتيجي للتآمر وشر الصهاينة بصواريخ نقطوية»، وبعد تحذير المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة في مؤتمر صحفي في الـ14 من آذار الجاري، من أن «إيران لا تقبل أن يكون هناك مركز للتخريب وإرسال الجماعات الإرهابية بالقرب من حدودها سواء من الجماعات المعادية للثورة أو من الكيان الصهيوني»، وأنه «غير مقبول إطلاقاً أن أحد جيراننا الذي تربطه علاقات عميقة وتفاعلاً معنا أن يكون مركز تهديد لإيران».

مجلس وزراء إقليم كردستان اعتبر في بيان لاحق أن «الهجوم الجبان على أربيل، بذريعة ضرب قاعدة إسرائيلية»، هو «تبرير فقط لإخفاء هذه الجريمة البغيضة، وأن الدعاية التي يروج لها مرتكبو الهجوم أبعد ما تكون عن الحقيقة»، وعلى ذات النغمة البارزانية استمر العزف الخليجي ومجلس تعاونه، ودول الاتحاد الأوربي ومجلسه، وحتى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذين لا نسمع صوتهم عندما تعتدي إسرائيل على سورية، مجمعين على أن استهداف أربيل يُعد «سابقة خطيرة وانتهاكاً صارخاً لأمن واستقرار العراق وسيادته»! وسط صمت إسرائيلي تام.

لست في صدد الحديث عن العلاقات البارزانية الإسرائيلية المستمرة منذ عهد الملا مصطفى البارزاني في ستينيات القرن الماضي، المعروفة لدى الشعب العراقي بعربه وكرده وحكومته، ولا بإعادة التذكير بآخر تطوراتها، كرفع الأعلام الإسرائيلية خلال مهرجانات الاستفتاء على انفصال الإقليم في الـ25 من أيلول 2017، ولا في تسهيل إقامة مؤتمر التطبيع «السلام والاسترداد» في أربيل في الـ24 من أيلول 2021، حيث قائمة العلاقات الإسرائيليات البارزانية تطول.

المحكمة الاتحادية العليا العراقية، بينت في نص قرارها الأخير في الـ15 من شباط 2022، الذي ألزم الإقليم «بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية» لحكومة المركز، أن الإقليم أقر لمحكمة الاستئناف الأميركية الدائرة الخامسة في 21 كانون الأول 2015 «طواعية»، ببيع نفط الإقليم المهرب وتفريغه في إسرائيل.

الاستهداف الصاروخي الذي سمع دويه في مناطق بعيدة عن مدينة أربيل، استهدف بالفعل محطّة رئيسة للموساد الإسرائيلي في أربيل، والمكان المستهدف المسؤول عن عمليات استخبارية وتخريبية وقعت داخل إيران في الآونة الأخيرة، عبارة عن قصر كبير، معزول عن باقي التجمعات السكنية، يبعد أكثر من 4 كيلومترات عن القنصلية الأميركية قيد الإنشاء، تعود ملكيته للشيخ باز كريم البرزنجي، المدير التنفيذي لشركة «كار» النفطية، تسبب استهدافه في تناثر محتوياته لمسافات بعيدة، وفي مقتل «4 ضباط إسرائيليين بينهم امرأة، إضافة إلى 7 جرحى بينهم 4 في حال خطرة»، بحسب ما يجري تداوله من مصادر موثوقة.

إيران سبق أن حذرت إقليم كردستان مراراً بأن «لا تصبح حدودها مكاناً للتآمر» عليها، والحكومة العراقية بأن «تمنع استخدام أراضيها لتهديد الأمن والاستقرار في إيران»، وبالتالي جاءت الضربة الصاروخية بمنزلة رسالة تحذير صارمة لحكومة الإقليم، من مغبة استمرار الأنشطة الإسرائيلية المعادية لها من أراضي الإقليم.

وفي الوقت ذاته تعد الضربة تحذيراً للدول الخليجية التي يتنامى تعاونها مع إسرائيل، من خطر التعرض لأمن إيران واستقرار المنطقة.

البارزانيون في مجمل تصريحاتهم، ينفون وجود مقار إسرائيلية في إقليم كردستان، إلا أنهم لم ينفوا، ولو مرة واحدة، علاقات التعاون والتنسيق والشراكة مع إسرائيل، لأنهم على يقين، أنه لا يمكن حجب الشمس بغربال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن