ثقافة وفن

تكريم الأب إلياس زحلاوي في مكتبة الأسد … سورية أرض المحبة والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين

| مايا سلامي - تصوير طارق السعدوني

تضيع الكلمات في وصف قامة شامخة من قامات هذا البلد المعطاء الذي كرّس حياته للارتقاء بالإنسان في سبيل خدمة الله، آخذاً الدين في معناه الأرحب والأوسع، مؤكداً أن جوهر الإيمان هو الحب فكان رسول السلام الذي نبذ كل أشكال التفرقة الدينية والطائفية داعياً إلى وحدة الكنيسة، وكان المناضل الذي حمل القدس ودمشق في قلبه مجاهداً في سبيل الدفاع عن أرض فلسطين وداعماً لبلده في محنتها، وهو صانع الفرح بتأسيسه للجوقة التي جمعت كل الأعمار والتي أراد لها أن تخرج من جدران الكنيسة لتصوغ لغة ترنيم جديدة يلتقي بها كل مؤمن بالله بل حتى غير المؤمن. أنه الأب الجليل إلياس زحلاوي الذي أمضى عمره في الثقافة والفن والموسيقى والمسرح، في رصيده مجموعة واسعة لأهم المؤلفات والترجمات والمسرحيات فتسلّم جائزة الدولة السورية التقديرية في مجال النقد والترجمة عام2017، وهو أيضاً عضو في اتحاد الكتّاب العرب منذ عام 1973.

حفل التكريم الذي أقيم في مكتبة الأسد ودعت له «دار دلمون» بحضور ممثلين عن مختلف مكونات المجتمع السوري تضمن توقيع كتاب زحلاوي، «قد يكون لي ما أقوله» بجزأيه الأول والثاني والذي يخط فيه مسيرة حياته بما فيها من تنوع وغنى وإيمانه بوطنه ومساندة المستضعفين ونشر الثقافة والفرح، محاوراً وصاحب موقف وقضية. وتضمن حفل التكريم عرض فيلم وثائقي بعنوان: «صانع الفرح» من إعداد وإخراج رامي البدوي تحدث عن محطات من حياة الأب زحلاوي، وتقديم درع تكريمي من تصميم الفنان التشكيلي أكسم السلوم في حين قدّم الفنان التشكيلي بديع جحجاح من أعماله أيقونة «رمز المحبة».

نبي بلا نبوة

وفي كلمة ألقاها خلال حفل التكريم، قال نائب وزير الخارجية والمغتربين بشار الجعفري: «شكراً لله أنه أنبت في بلادنا سنبلة محبة وخير وأخوة نبي بلا نبوة اسمه الأب إلياس زحلاوي، الذي يجسّد خصائص أمة في لسان حال رجل واحد وحضارات عدة في شخص واحد، أيقونة سورية بامتياز وصل شعاعها الإنساني إلى قلوب الناس وعقولهم».

وأضاف: إن شئت وصفه بالكاهن فهو كذلك إذ رسّم كاهناً في العام 1959 بعد أن أنهى دراسة علوم الفلسفة واللاهوت في القدس ومنذ العام 1977 أصبح كاهن رعية في كنيسة سيدة دمشق وناشراً أميناً لرسائل حدث الصوفانية الذي شكل منعطفاً في حياته الإيمانية والأدبية».

ولفت إلى أن الأب الياس زحلاوي أبدع في المسرح وأصبح قدوة في هذا المجال بعد أن طوّع المسرح لتربية جيل محافظ على أصالته وتراثه متشبثاً بأرضه رغم قوة العواصف من حوله.

وأكد أن الأب إلياس اختار منذ بدايات تشكّل وعيه السياسي والفكري أن يسير على درب الآلام والصعوبات فحمل فوق كتفيه رسالة الرحمة، وطوّع جميع معارفه لتبليغ رسالته تلك إلى الناس جميعاً ألا وهي نشر المحبة بين الناس والدفاع عن المظلومين، فكان أخاً للجميع في الإنسانية وقدوة في الانتماء والإيمان والوطنية.

وأشار إلى أن ما ألّفه الأب إلياس زحلاوي من كتب وما ترجمه من أعمال يشكّل مساهمة عظيمة في نهضة الأمة العربية من كبوتها التي هي فيها تماماً كما كان أخوته من قبل قد ساهموا في نهضة الأمة العربية في القرن التاسع عشر وتأسيسهم للفكر القومي العربي في دمشق وتخليص الأمة من نير التتريك والاحتلال.

وفي تصريح لـ«الوطن» قال الجعفري: إنه عندما نكرّم الأب الياس فإننا نكرّم أنفسنا ومن واجبنا كسوريين أن نرفع الهامة لهذا الرجل ونعطيه ما يستحق من تقدير واحترام ومحبة لأنه بذل كل حياته وهو يعطي الخير والمحبة في هذا الوطن، واليوم ما قمنا به من تكريم هو غيض من فيض كما يقال فالرجل يستحق أكثر من ذلك.

أرض محبة

من جهته وفي معرض حديثه عن الكتابين اللذين جرى توقيعهما في نهاية حفل التكريم «قد يكون لي ما أقوله» أوضح الأب إلياس زحلاوي أنه شاء في هذين الكتابين أن يقول شيئاً مما عاشه في هذا الوطن الحبيب، مؤكداً أنه لم يكتبه بدفع من أحد.

ودعا الأب زحلاوي جميع المثقفين والمفكرين والمتخصصين لكتابة التاريخ الذي نعيشه بفكرنا ودمنا وجسدنا، هذا التاريخ الذي دفع ثمنه لنا آلاف الشهداء.

وأضاف: «شئت لكتابي بكل بساطة وبكل تواضع دون أي ادعاء أن يكون وسيلة لتحريض ما بشأن تسجيل تاريخ في بلد كان منطلقاً للأبجدية وهو اليوم في يقين انطلاقاً مما عاشته وتعيشه سورية من التضحيات الهائلة، ومن الرسائل الرائعة والاستثنائية التي وردتنا في الصوفانية والتي تبشر بتوجه جديد للعالم».

وأعلن عن أمنياته بأن يشكل الكتاب محرضاً لنخطو خطوة إلى الأمام تخدم بلدنا ومنطقتنا العربية وتعيد ألق الإيمان والمحبة والعيش المشترك لهذا البلد المصلوب والذي ينتظر نعمة القيامة، والقيامة آتية.

وفي تصريحٍ لـ«الوطن» له قال: «فرحت لأني رأيت مبادرة من الجمهور الذي أتى ومعظم الناس لا أعرفهم وأعتقد أن دافعهم فقط هو محبتهم لي لأني حاولت أن أزرع المحبة في البلد، وسورية أرض المحبة ويجب أن نتذكر كلنا أنها أرض العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وهذه المبادرة تعبر عن المحبة وما ينقذ سورية اليوم هي المحبة».

عالم من المحبة

أما الإعلامي اللبناني غسان الشامي فقال في كلمة مماثلة إن الأب إلياس يرى في نفسه نورساً سرمدي المحبة للشام وغوطتها فيه خصال النسور وعنفوان العقاب السوري الشهير، مؤكداً أن هذا الكاهن المشرقي لن يتوقف عن القول والفعل ورفع الصوت ليجعل ما قاله ملكاً للأجيال الآتية، وأن في كل مرة يلتقيه يلمح فيه عالماً من المحبة وكوكباً من الفرح يتقن عبور مسامير الآلام نحو الفرح والعطاء.

صوت مشرقي

وفي كلمة مسجلة لرئيس أساقفة سبسطية الروم الأرثوذوكس في فلسطين المحتلة المطران عطاالله حنا والتي بدأها بإرسال رسالة محبة وأخوة ووفاء لسورية رئيساً وجيشاً وشعباً، سورية التي وقفت دائماً إلى جانب فلسطين.

وقال فيها: « نحن أوفياء لك أيها الأب الجليل لأنك كنت دوماً صوتاً مسيحياً مشرقياً عروبياً بامتياز، دافعت عن سورية الأبية الصامدة في وجه العدوان والتآمر، ووقفت إلى جانب الفلسطينيين وكنت دائماً مدافعاً عن أعدل وأنبل قضية عرفها التاريخ الإنساني الحديث».

على نهج السيد المسيح

أما كلمة الإعلامي حسن حمادة فألقتها المهندسة ماريا سعادة فأكدت فيها الكفاح المستمر للأب الجليل إلياس زحلاوي وأضافت: «يؤدي الحبيب قسطه من الكفاح بلا توقف من جوقة الفرح حيث يتلقى أطفالنا دروساً في المحبة والفن الراقي والوطنية النقية، إلى مراسلاته الجسورة القاسية الموجهة إلى المنابر وقادة الرأي في الغرب، الغرب الذي وصل فيه الشر إلى حد مصادرة المسيحية وابتداع شعارات تقصي المسيح وأرضه وتنشر التزوير».

وأكدت أن الأب إلياس زحلاوي يسير على نهج السيد المسيح بثبات وجسارة لاستعادة المبادرة المسيحية إلى أرضنا، أرض وموطن ومسقط رأس السيد المسيح دون أن يخشى درب الحق لقلة سالكيه.

قيمة مضافة

وأخيراً أشارت مديرة الدار عفراء هدبا إلى أن الأب زحلاوي تحرر من تبعات الموقع حاملاً رسالته الإنسانية النبيلة مطلقاً صوته على اتساع المدى بأن الإنسان أولاً وأخيراً، معتبرة أن الدار حظيت بقيمة مضافة من خلال طباعة كتابه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن