في ظل الصراعات العسكرية والاقتصادية التي أخذت تتمدد عالمياً مع ولادة وتشكيل «عالم جديد» بدأت روسيا برسم ملامحه، كان لا بد لدمشق لتستعيد دورها العربي والقومي الذي لم تتخل عنه يوماً، بل أُقصيت عنه في محاولة لتدميرها وإخراجها من منظومة العمل العربي المشترك، فكانت كالقلعة المنيعة عصية على العدوان وصامدة في وجه كل المشاريع التي رُسمت للمنطقة، وكان الرئيس بشار الأسد محور كلام كبار القادة وزعماء العالم، الذين وصفوه بالرجل الصلب والقائد الشجاع الذي لم ينحنِ يوماً إلا لله عز وجل، وقاد بلده وشعبه، على الرغم من كل التضحيات والأثمان الباهظة، إلى ضفة الأمن والأمان، بحكمته وسياسته الثابتة التي لم تتغير يوماً، فكان ذا نظرة، أكدت أحداث العالم وما يجري اليوم على الساحة العالمية، صوابيتها.
زيارة الرئيس الأسد، أول من أمس، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، تأتي في هذا السياق، فلم يعد الحديث اليوم فقط عن انتصار سورية وانتصار الرئيس الأسد، بل عن ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك لمقاومة التصدعات التي بدأت تظهر في منظومة الاقتصاد العالمي، ومنعاً لمزيد من الانحدار في هذه العلاقات التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من اليأس و«اللا حول ولا قوة»، وتشكيل قوة وتكتل عربي إقليمي، يقلل من الأثمان التي قد تدفعها الشعوب العربية نتيجة حرب العقوبات التي انطلقت مع بداية العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، فالحرب اليوم لم تعد حرباً تقليدية، ولا حرباً محصورة بجغرافيا محددة، بل نوعاً من حرب عالمية اقتصادية، سيكون لها ثمن باهظ ما لم تستعدّ الدول لمواجهتها ومقاومتها، ومن هنا كانت أهمية أن تستعيد دمشق دورها العربي المحوري، وأن تنبه من خطورة ما سيشهده العالم وأهمية تجاوز خلافات الماضي والاستعداد للمستقبل القريب، وذلك من خلال تعاون عربي- عربي، وتعاون عربي- روسي، وتعاون عربي- إيراني، وعربي- صيني، وخاصة أن دولة الإمارات العربية المتحدة التي باتت تلعب دوراً رائداً في المنطقة من خلال الحفاظ على علاقات مميزة مع روسيا ومع إيران ومع الصين، يخولها لتكون قاطرة في لم الشمل العربي وتصحيح أخطاء الماضي، وبدء وساطة لإنهاء حرب اليمن، وتطبيع كامل العلاقات مع طهران، والحفاظ على حياد في ظل الصراع الأميركي- الأوروبي مع روسيا، وفتح أبواب التعاون والشراكة على مصراعيها مع الشرق الأقصى، ما يوفر الأمن والاستقرار الاقتصادي لمنطقتنا، ولعل هذه أهم رسالة أرادت دمشق إيصالها من خلال زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات، إضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، وضرورة الاستمرار في مكافحة الإرهاب المتمثل أولاً بتنظيم الإخوان المسلمين المدعوم من تركيا وقطر، والحركات الراديكالية التي تم إرسالها لتدمير سورية وقتل السوريين، والملفات الاقتصادية والعقوبات المفروضة على دمشق، وما يمكن للإمارات القيام به لدعم سورية سياسياً واقتصادياً، مع الإشارة إلى أن استثمارات إماراتية بدأت بالفعل العمل في سورية كما هو معلن.
لا يمكن الحديث عن هذه «الزيارة الحدث» من دون التطرق إلى توقيتها الذي يصادف مع الذكرى الحادية عشرة للحرب على سورية، وبعد أيام من دعوة مجلس التعاون الخليجي لمفاوضات لوقف الحرب على اليمن، وقبل أيام من إمكانية التوصل لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، فكما للتوقيت أهميته ورمزيته، فللصور كذلك، وكان واضحاً حفاوة الاستقبال الإماراتي للرئيس الأسد، وما حظيت به هذه الزيارة من اهتمام في وسائل الإعلام الإماراتية التي خصصت مساحات واسعة لنشر الخبر والصور وإبراز مواقف دمشق وأبو ظبي تجاه ما يجري في المنطقة وفي سورية.
إذاً هي بداية جديدة لعقد سوري- إماراتي متجدد، وربما لعقد عربي – عربي جديد، وستبقى سورية قلب العروبة النابض، والمبادر الأول لحماية الشعوب العربية وحماية المنطقة من كل سوء ومكروه. صحيح أن الثمن غالٍ، لكن يبقى ثمن المقاومة أقل بكثير من ثمن الاستسلام كما قال الرئيس الأسد، وها نحن اليوم على عتبة مرحلة جديدة من العمل وربما التنسيق العربي- العربي، يعيد كل العرب إلى دمشق، فيعود قلب كل السوريين ليخفق بالنصر، والأيام القادمة حبلى بأخبار نرجو أن تكون سارة بالنسبة للعرب وشعوب المنطقة الذين شبعوا من انحطاط الغرب الأخلاقي، ومشاريعه المدمرة، وباتوا يتطلعون إلى العمران والأمن والأمان، وإلى عالم تسوده العدالة السياسية والنمو الاقتصادي، وهذا ما بدأت ترسم معالمه روسيا مدعومة من قوى عديدة تريد أن تتحرر من الهيمنة الأميركية والعقوبات الجائرة وسياسة الأمر الواقع وسلطة «الغابة» التي طالما أرادت واشنطن فرضها على الشعوب.