ثقافة وفن

انهِمار أمومة وحب

| إسماعيل مروة

عطرك ينتشر في الأرجاء فيعطي الكون جماله وعبقه، ووحده عطرك ينسرب في حنايا روح، يتغلغل تحت جلد الوليد، ويبقى معه يخرج مع كل حركة ليشعره برحمك الذي يسيجه مدى الحياة وإن خرج منه!

يخرج منك ولا يخرج
يخرج من رحم الأمومة إلى رحم الحياة
وشتان ما بين حب وشقاء
ثمة فرق بين رحمة وقسوة
أيتها الأم الباقية على الدوام
تسافرين أبداً بين الغمام، لا لترحلي وإنما لتهطلي مطراً
مطرك يهمي على الوجه المتعب
يغسل شعرات الرأس
ينير ضوء العين، وينعش شفتين تشققتا..
قبل أن يقتله الظمأ يشرب مطرك، ينهمر غذاؤك
وقبل أن تفسد رائحته يأتيه عطرك
يا لك أيتها القديسة التي لا يصل قداستها مقدس
كل أم مقدسة عند وليدها
ووحدها الأمومة تتعدد فيها القداسة
أنت الأجمل عنده.. أنت الأبهى في عينيه..
يلتقم صدرك.. يأخذ غذاءك.. تتألمين
وتدفعين له ماء الحياة، وأنت تضحكين..
خذ يا ولدي ما في صدري وروحي
خذ كل شيء فقد رضيت

يتعبك الوليد، ويغمرك الرضا المطلق.. وتستعذبين الألم منه، وتحملين جسده على يديك، تدهنين جسده بزيت حلف الرب به، تمسدين جسده بالآس ليصبح أبهى، تدلكينه بأصابعك لتزرعي فيه حناناً آخر، يغنيه عن حنان الكون بعدك، فلا حنان سواك، ولا أمومة بعدك..

مساكين هم القساة والطغاة
أشفقوا عليهم
فهم لم تتغلغل أصابع الأمومة فيهم
الحاقدون لم يتجاوز زيت الأمومة مساحاتهم ليدخل الروح.
ويل لمن ولد قاسياً صلباً
مسكين من ولدت جوارحه ميتة
فلم يشمّ آس أمه وزيتها.. ولم ينطمر في صدرها
ولم ينهل من حبها
في لوح الألوهة كان قاسياً.. وفي عناد الإنسان شبّ قاسياً..!
لم يتقلب على صدر أمومته.. لم ينهل ماء الأمومة
لم يستجب لتدليك يديها وزيتها
لم يكن إنساناًّ
الأمومة فاضت عليه.. أعطته فما استجاب
فمه مجّ الغذاء
لو التقمه تطهر لكن القسوة أبت
ومساحاته لم تتشرب زيت الأمومة والآس
ولو فعلت لفاض حباً
في لوح القدر لا يستجيب القساة لطهر الأمومة..
لا يتمرغون على أصابع قدمي الأمومة من صغيرها إلى طاهرها..!
حين يمسد الوليد وجهه بقدمي الأمومة يصبح أكثر طهراً.. تصبح الأمومة عنده نبلاً..
يا للأمومة ما تفعل بنا لو استجاب القدر!
يا لها من حياة برزخية تنتهي بالسفر إلى الغمام
وتصبح مستدامة مع كل قطرة مطر
مع كل شعاع شمس.. مع تفتح كل زهرة
مع نضج كل ثمرة
لك كل الأيام أيا أم..
لست محدودة بيوم.. يختصرك القساة بيوم
وحبك يجعلك كل الأيام في المرحمة
غنى المغنون.. أنشد المنشدون
قال الشعراء.. كتبت الأقلام
كل ما فعلوه أنهم تعطرو بك
اقتربوا من قطرات تجودين بها
لم يصلوا إلى كنهك.. ولن نصل
لن نعرف السرّ في ابتسامتك
لن نعرف معناك في الحضور والسفر
أيا أم.. اغفري للوليد.. سامحيه
لعلّ زيتك يتجاوز المسام فيغدو نبيلاً..
لعل غذاءك يتغلغل ليعود إنساناً..!
قالت الجدات: حليبه يردّه..
إلى الصواب والحب يرده
انهمري أيتها الأمومة
لعلّ الوليد يغدو إنساناً..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن