ثقافة وفن

الفن التشكيلي.. أعطى الأم حقها على مر العصور … سهيل بدور: أي امرأة رسمتها هي أم … مصطفى علي: ليت أمي تعرف كم بقي كلامها مؤثراً

| سارة سلامة

غالبا ما تتصدر المرأة بشكل عام، والأم خصوصاً، الفكرة الرئيسية في الأساس في نتاجات المبدعين، على تنوع قدرتهم في التعبير، سواء في الشعر، والأدب والموسيقا، والفن التشكيلي، أم من خلال الصورة الضوئية وكذلك أيضاً السينما، والتلفزيون والإنترنت.

فالأمومة بكل ما تحمله من عاطفة وحنان ألهمت الكثير من الفنانين، في هذه المجالات المختلفة وعلى مر العصور، وجسد الفنانون التشكيليون، الأم في أعمالهم الفنية المختلفة، وذلك من لوحات، وتماثيل، ومنحوتات، والتي قدموا من خلالها لمسة وفاء للأمومة.

وأغلب المواضيع التي تم تناولها في هذا القبيل تجسيد صورة الأم مع أطفالها، ضمن حالات ووضعيات مختلفة، وهي جميعها، تفضي إلى قيم إنسانية راقية وحميميّة وصادقة وجميلة هي: التضحية، الإيثار، الوفاء، الحنو، الحب، التفاني، النضال، والعطاء بلا حدود.

وهناك بعض التشكيليين صورها بشكل مباشر، تحنو على طفلها، أو تضمه إلى صدرها، أو تقوم بإرضاعه بحنان وشغف، أو تلاطفه وتلاعبه وتعلمه، أو تهز له المهد، أو تنظفه، أو ترعاه وتناغيه، أو تحمله على ظهرها، أو في حجرها، أو تعانقه، أو تدافع عنه.

بفضل رضاها

الفنان التشكيلي سهيل بدور قال بخصوص تناول قضية الأم في مشواره التشكيلي إن: «الأم هي جنة الأرض وهي من أعظم نعم الرب علينا، والدتي عمرها 96 عاماً لكنها ما زالت جميلة كالقمر، هي معجزة بحد ذاتها ومن الصعب جداً الإحاطة بالأم وتوصيفها هي منصة الوجود كيان لا يتعب ولا يزعل، أمي ابنة جيل تحترم الأمومة نهضت بنا وتحملت العوز والفقر، وغالبا ما أرى الكلام عنها قامته قصيرة جداً أمامها ويمكن أن نشعر بها من الداخل أكثر، ونستطيع أن نراها كحالة وجودية نادرة في الدنيا».

وأضاف بدور إنه: «لا سبيل من النجاح في الدنيا أكثر من رضاها وإذا كنت قد نجحت بحياتي فهو بفضل رضاها رسمت بورتريه لها ولوجهها النوراني الذي يحمل كل عفة الأرض، وكنت قد رجوت أمي ألا تموت لأنها إذا ماتت سأبقى وحيداً للأبد، وأعتقد أن كل الأعمال التي رسمتها فيها أم وأي امرأة من وجهة نظري هي أم لأن إحساس الأمومة موجود في أي امرأة، والأم هي ملهمة بالنسبة لي».

بينما قال التشكيلي مصطفى علي في كلمة لأمه إن: «أمي الغالية كانت قد قالت لي يوم كنت أود دراسة الفنون، (لو كانت دراستك تكلفنا أن نبقى من دون طعام فسنبقى كذلك، المهم أن تتعلم)، وهذا ما حصل ليتها تعرف كم بقي هذا الكلام مؤثراً في حياتي، لروحها السلام».

الأم في الفن التشكيلي عبر العصور

على هذا الأساس، صوّر الرسامون في رسومهم ولوحاتهم، وجَسّد النحاتون في كتلهم وجدارياتهم، الأم نداً للأرض وشبيهاً لها. فكما الأرض تُنبت الحياة، وتوفر سبل العيش للإنسان، كذلك الأم، وتتميز لوحات الأمهات منذ القرن الـ 18 وحتى مطلع القرن العشرين بلمستها الواقعية. نرى مثلا في لوحة «أم مع طفلها» للرسّام الفرنسي ليون جان بازيل بيرولت (1832- 1908) امرأة تُقبّل طفلتها وإلى جوارها بكرة من الخيط تصنع منها ثياباً جديدة للصغيرة.

كذلك رسم الفرنسي ليون جان «أماً مع طفلها» في القرن الـ 19 في العصر الفيكتوري، حيث كان يتم إجبار الأمهات اللواتي أنجبن بطريقة غير شرعية على وهب أطفالهن لمستشفيات متخصصة للأطفال اللقطاء. وتتولى المستشفى تنشئة الطفل ليعمل لمصلحتها بطريقة أقرب للاستعباد أو السخرة.

تلك القوانين حكمت أوروبا لعقود طويلة، وكانت سببًا في أن ألهمت رسّامين عدة لأن يصوروا عذابات الأمهات اللواتي تم إجبارهن على التخلي عن أطفالهن، وتصور اللوحة استعراضاً واضحاً لمآسي الأمهات،

كما صعدت المدرسة الانطباعية في الرسم إلى سلم المدارس أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن العشرين معتمدة على تمثيل العناصر ورسم المواضيع حسب هيئتها في الظل والنور، حتى لو لم يكن التمثيل واقعياً أو يميل للرمزية، حيث تعتبر لوحة فان كوخ الشهيرة «الرجل في البحر L›homme est en mer» واحدة من اللوحات الانطباعية الأكثر تعبيراً عن الأمومة رغم اسمها الغريب، كما تربعت المدرسة التكعيبية على عرش مدارس الفن التشكيلي منذ مطلع القرن العشرين، مدعومة بالحركات الثورية والفلسفات الحديثة التي حطمت الكثير من القواعد والقيود، بما في ذلك قواعد الرسم والتعبير. وقد استوحى رائد المدرسة التكعيبية بابلو بيكاسو أسلوب المدرسة وفلسفتها من الأقنعة الإفريقية التي تعتمد الزوايا الهندسية المجردة، مثل المربع والمثلث والدائرة، للتعبير عن وجه الإنسان والجسد البشري، وقد قدم بيكاسو عشرات اللوحات التي تتناول الأمومة كموضوع. كان لكل واحدة من تلك اللوحات أسلوب خاص وألوان تميّزها رغم تشابه الموضوع.

إحدى تلك اللوحات «الأم والطفل» المرسومة عام 1921، والتي نرى فيها الجسد البشري مرسوما بزوايا حادة وألوان تجريدية على خلفية غير واقعية حيث كان التركيز منصباً على نقل الشعور والموضوع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن