في عيد الأم… قلب الأم من عجائب خلق الله!! … الأمومة أجمل وأقوى شعور في الكون والأم تظلم نفسها أحياناً لتعطي أولادها
| مايا سلامي
في وقتٍ قد يكون انتهى فيه زمن المعجزات كانت الأم المعجزة الإلهية الباقية والخالدة، فكيف يمكن لامرأة واحدة أن تختزل العالم بأسره فتكون سراج ليل أبنائها الذي لا ينطفئ واليد التي تمسك بهم منذ خطواتهم الأولى دون أن تتركهم في منتصف الطريق، هي الحب غير المشروط والركن الدافئ والآمن في حياة كل إنسان أنها السند الذي لا يلين والقوة التي لا تخون والشمعة التي تحرق نفسها في سبيل أن ترى أبناءها في أفضل حال، وهي الكلمة الأولى على شفة كل طفلٍ ونبعٌ للخير والحنان دائم العطاء والتجدد، باختصار إنها الحياة.
الرضا الكامل
السيدة تغريد رحمة، عاشت مشاعر الأمومة منذ أن كانت في الرابعة والعشرين من عمرها ونجحت في أن تنشئ أسرة متحابة ومتماسكة مبنية على أسس أخلاقية وعلمية متينة، وحول الصعوبات التي واجهتها في تربية أبنائها قالت: «بعدي عن أهلي الذين يعيشون في محافظة أخرى فلم يكن بجانبي أحد منهم ليساعدني في رعاية أبنائي عندما كانوا أطفالاً صغاراً خاصة أن زوجي كان ضابطاً في الجيش وغير موجود معي الأمر الذي زاد من واجباتي بتوفير كل متطلبات المنزل، بالإضافة إلى عملي كمدرّسة لمادة اللغة الإنكليزية في ذلك الوقت وقلة الروضات حينها لأضع أطفالي فيها أثناء فترة غيابي عن المنزل». وعن قدرتها على التوفيق مابين عملها ورعاية أسرتها أوضحت « كوني معلمة وقت دوامي مقبول وعندما كبر أبنائي قليلاً ودخلوا المدرسة كنا نذهب ونعود معاً إلى المنزل، كما أن عملي مكنني من تدريسهم ومساعدتهم في أداء واجباتهم المنزلية وشرح ما استعصى عليهم خاصة في اللغة الإنكليزية» كما أضافت أن الأمومة استهلكت كل طاقتها ووقتها ومنعتها من تحقيق أهداف أخرى كانت ترمي إليها كتطوير لغتها الإنكليزية وأن تعمل في المعاهد الخاصة بعد انتهاء دوامها في المدرسة، منوهةً إلى أن تعبها لم يذهب سدى وأنها جنت ثمار تربيتها ورعايتها لأبنائها فقالت: «إن أكثر ما يسعدني وينسيني تعبي في الماضي هو رؤية حالهم الآن وقد كبروا وتفوّقوا في حياتهم العلمية، والحمدلله راضية عنهم وعن علمهم وتربيتهم وسمعتهم الحسنة بين الناس».
فرح ومحبة
المهندسة هناء حمّاد، استطاعت أن تشكّل نموذجاً مثالياً كأم لأربعة فتيات مستقلات طموحات لكل منهن توجّه واهتمام، آمنت بهنّ وبقدراتهن وغرست فيهن أجمل الخصال حتى وصلن إلى بر الأمان والتفوّق والنجاح. وعن سعادتها بهن ورضاها لكونها لم ترزق بأخٍ لهن قالت: «أنا سعيدة بفتياتي لكن هذا لا يمنع أنني كنت أتمنى أن أنجب ابناً كي يكون صديقاً وسنداً لأخواته يرافقهن في حركاتهن خاصة في الأوقات المتأخرة ليلاً، فنحن نعيش في مجتمع شرقي يقيد حركة الفتاة، وعندما يوجد الشاب في الأسرة يكون صديقاً وداعماً لأخته فتعيش وكأنها ملكة». ونوهت إلى أن هذا الأمر لم يعكر صفو حياتها أو حياة بناتها ويمنعها من الاستمتاع معهن ومشاركتهن اللحظات الجميلة والسعيدة مثل أخبار تميزهن ونجاحهن، مؤكدة أن سعادة الأم لا يحددها نوع المولود وأن البنات يضفين على المنزل أجواء ملؤها الفرح والمحبة ويكن أكثر حنية على والديهن. وحول المرحلة العمرية الأصعب في تربية البنت أوضحت الأستاذة هناء أن التعب يختلف حسب المرحلة العمرية بنوعيته من جسدي إلى فكري، ففي عمر الطفولة الأولى يكون جسدياً مفعماً بالفرح لأن الطفل ينمو بسرعة، ثم في مرحلة الشباب يزداد التعب الفكري بالنسبة للأم ويبدأ الخوف على البنت من المجتمع الخارجي ورفاق السوء، حتى بعد أن تتزوج البنت يبقى تفكير الأم بها هل زواجها ناجح. وأضافت: «الأمومة متعبة ولكنها ممتعة جداً فليس هناك ما هو أجمل من أن تشاهدي طفلك يكبر ويحقق أحلامك، فأنا كان حلمي منذ الصغر أن أكون طبيبة لكن للأسف لم يحالفني الحظ، فتحقق هذا الحلم ببناتي حيث درست الكبرى الطب البشري والثانية طب الأسنان وهذا بحد ذاته أعتبره نجاحاً لي ولهن».
الحب الثابت
الدكتورة سميرة سلامي، أستاذة في جامعة دمشق وأم لثلاثة أولاد أرغمتها ظروف عملها والأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد على الاغتراب عنهم منذ ثلاث سنوات، وعمّا تقاسيه في بعدها عن عائلتها ووطنها قالت: « في البلد الذي أعيش فيه كل وسائل الراحة مؤمنة خاصة أنني أعمل في بكين وفي جامعة من أرقى جامعات الصين الأمر الذي يذلل كل الصعاب أمامي، لكن ذلك كله لا يزيل مشاعر الغربة المحزنة والمؤلمة فالشوق والحنين إلى الأولاد وكذلك إلى الأهل والوطن لا يفارقني لحظة واحدة». منوهة إلى أن سفرها لم يجعلها مقصرة في حقهم وأنها أدت واجباتها تجاههم على أكمل وجه، حيث أوضحت: «لا أشعر أبداً في غيابي عنهم أنني مقصرة في حقهم فأولادي أصبحوا كباراً ولهم عائلاتهم وأولادهم والجميع يعرف ما تعانيه سورية الحبيبة من أزمة اقتصادية خانقة ولو كنت في سورية لما استطعت أن أقدم لهم الدعم المادي الذي أقدمه لهم اليوم فحبي لأولادي يدفعني لتحمل كل الصعاب ويجعلني أصبر على مشاعر الغربة وآلامها والأم تظلم نفسها أحياناً لتنصف أولادها». كما أكدت على أنه ما من شيء يمكن أن يبعد الأم عن أولادها لا المسافات الشاسعة ولا الزمن الممتد فكل القلوب يغيرها الزمن إلا قلب الأم فهي الحب الثابت الذي لا يتغير ولا يشيخ، وأضافت: «أبقى مع أولادي ساعات على وسائل التواصل الاجتماعي نتحدث في كل شيء أسألهم عن أحوالهم وأخبارهم ومشاكلهم، نخوض في كل التفاصيل ولا أظن أنهم يخفون عني شيئاً فأنا قريبة منهم رغم بعدي عنهم». وفي الختام كشفت الدكتورة سميرة أن إحساس الأمومة أجمل وأقوى شعور في الكون وهو الذي يبعث الأمل في قلب الأم مما يدفعها إلى العمل والعطاء وبذل قصارى جهدها لتؤمن لهم سبل العيش الكريم.
دار السعادة ورحلة العمر
وفي زيارة إلى دار السعادة التقت «الوطن» بإحدى الأمهات التي تحدثت عن ظروف إقامتها وأسبابها وشرحت علاقتها بابنتها التي عاشت معها، ولم تقصر تجاهها.
السيدة حياة سلوم، عملت في السابق في مهنة التدريس وكانت معلّمة لمادة الرياضيات في معهد الصم، لديها ابنة واحدة فقط وعن أسباب إقامتها في الدار أوضحت: «كنت أسكن مع أمي وبعد وفاتها لم أستطع البقاء وحدي فانتقلت للعيش في منزل ابنتي وأقمت عندها لفترة طويلة، ومن ثم أصبحت أعاني من آلام في الظهر فأتيت إلى هنا ووجدت أنه المكان المناسب حيث الخدمات الجيدة والرعاية والاحترام». وأضافت «لم أرغب بأن أزيد أعباء ابنتي وعلاقتنا جيدة جداً تتواصل معي وتأتي لزيارتي دائماً».
والتقيت أيضاً مع السيد وليد كيلاني موظف متقاعد وأحد المقيمين في الدار والذي تحدث عن مشاعره في عيد الأم بعد رحيلها عنه منذ قرابة أربعة أشهر عن عمر ناهز 102، فقال: « في هذه المناسبة أشعر بغصةٍ كبيرة على فقدانها وأتمنى لو أنها مازالت موجودة معي حيث كنت أعيش معها بعد انفصالي عن زوجتي وسفر ابنتي الوحيدة وبعد وفاتها أصبحت وحيداً وهذا ما اضطرني على الإقامة هنا».
ولابد من توجيه الشكر لدار السعادة لما تقدمه للمسنين من خدمات وحب يعوّض عن الآلام، ونشكر إدارة الدار لتعاونها الدائم مع صحيفة «الوطن» وزياراتها المتكررة إلى الدار لتكريم المبدعين والأهل، وعدد منهم صار من الراحلين.
الأم حياة أخرى وشعلة وهّاجة مدى الحياة، إن بقيت وإن رحلت لأنها تبقى حارسة لأولادها حامية لهم.