أثارت الحرب الأوكرانية أزمة جديدة في ظل النظام العالمي الحالي الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة تتداخل فيه الأحداث والأنشطة التجارية والاقتصادية بمختلف أشكالها وصورها.
ويُقدِّر آخر تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية «فاو»، أن أسعار الغذاء والأعلاف يمكن أن ترتفع بنسبة 7 إلى 22 بالمئة فوق المستويات المرتفعة بالفعل، نتيجة الحرب الأوكرانية التي أثرت في إمدادات القمح العالمية، ما جعل العالم يقترب من أزمة غذاء خطرة، فروسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي المحاصيل الغذائية على مستوى العالم، والدولتان تصدران ثلث صادرات القمح العالمية.
في عام 2004 أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برنامجاً لتطوير الزراعة، تضمن أهدافاً لضمان 80- 95 في المئة من الاكتفاء الذاتي بما في ذلك الحبوب، لتصبح روسيا، المصدر الأول للقمح في العالم وفقاً لبيانات إحصاءات وزارة الزراعة الأميركية.
تشكل الصادرات الروسية ثلث واردات القمح في الشرق الأوسط وإفريقيا، و10 في المئة من واردات آسيا، ونحو خمس إجمالي الطلب على القمح في العالم، تنتج أوكرانيا وروسيا معاً قرابة 30 بالمئة من القمح، و17 بالمئة من الذرة، وأكثر من نصف صادرات زيت بذور دوَّار الشمس في العالم، وتُركز روسيا على إنتاج الغذاء الصحي، واستخدام الأسمدة الخالية من أو قليلة المعادن، إضافة إلى إنتاج كميات هائلة من العناصر المغذية للتربة مثل البوتاس والفوسفات وهي مكونات أساسية للأسمدة، وتحتل أوكرانيا مكانة رائدة في تصدير الذرة وزيت عباد الشمس وغيرها من المنتجات، وتوفر أوكرانيا ما يقرب من 14 في المئة من سوق الغذاء العالمي.
وأوردت «GETTY IMAGES» أن الحرب الأوكرانية أحدثت صدمة للإمدادات العالمية من الغذاء، وأدت لأكبر أزمة في سلة الغذاء العالمي منذ الركود الاقتصادي الكبير وارتفعت أسعار القمح إلى مستويات قياسية، متجاوزة المستويات التي شوهدت خلال أزمة الغذاء في 2007- 2008 خوفاً من النقص في الإمدادات.
حذرت منظمات المعونة الغذائية من أن الارتفاع في الأسعار سيؤدي إلى زيادة التضخم وسيكون التأثير الأكبر في الأمن الغذائي لمستوردي الحبوب الأكثر فقراً.
تزود روسيا تركيا بأكثر من 70 في المئة من وارداتها من القمح، وفقاً لمركز التجارة الدولي، حتى قبل الأزمة الأوكرانية، بلغ التضخم في تركيا أعلى مستوياته في 20 عاماً عند 54.4 في المئة في شباط.
ستؤدي الحرب إلى تفاقم تكلفة الغذاء التي سترتفع بشكل كبير عندما تشتري تركيا من الولايات المتحدة أو أستراليا. كما تشكل روسيا ثلثي واردات مصر من القمح، وتقول السلطات المصرية إن مخزونها من القمح يكفي لمنتصف حزيران وإن موسم الحصاد المصري يبدأ بمنتصف نيسان.
ويرى المحللون أن ارتفاع أسعار الخبز والمواد الغذائية في مصر وتركيا قد يسبب اضطرابات اجتماعية.
إن روسيا بلد مُصدِّر رئيسي للأسمدة، ويمكن أن تؤدي التعطلات في الصادرات الروسية من الأسمدة، إلى ارتفاع التكاليف على المزارعين وانخفاض إنتاجية المحاصيل، وبالتالي ارتفاع تكاليف الغذاء، وهناك حاجة لكميات هائلة من الغاز الطبيعي لإنتاج الأمونيا، المكون الرئيسي في سماد النيتروجين.
حظرت أوكرانيا تصدير الماشية واللحوم وغيرها من منتجات الماشية، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى المزيد من خفض الإمدادات الغذائية العالمية، ومنذ بدء الحرب الأوكرانية، تحرَّكت بلدان عديدة من المجر حتى أندونيسيا لغلق باب التصدير وتخزين الحبوب والدقيق، وظهرت ملامح الحمائية التجارية لتُعمِّق مشكلات الأسعار والإمدادات العالمية، كما أدَّت الاختناقات الملاحية وتعقيدات الحرب إلى عرقلة الصادرات الأوكرانية.
وعطَّلت عمليات مقاطعة شركات الشحن للموانئ الروسية والتأثيرات غير المباشرة للعقوبات أيضاً تدفق الغذاء والأعلاف من روسيا، فيما قررت روسيا فرض حظر كامل مؤقت على تصدير القمح والشعير والذرة وسلع غذائية أخرى ويمتد مفعول الحظر إلى نهاية حزيران المقبل.
العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، سيقابلها ردود فعل مشابهة من روسيا الاتحادية، العالم سيواجه مشكلة؛ أن الفقراء، سيجدون صعوبة في الحصول على الخبز.
من جانب آخر ووفقاً لحسابات الأمم المتحدة، فإن العالم يحتاج إلى زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 40 في المئة بحلول 2050 لمواكبة عدد السكان الذي من المتوقع أن يرتفع بواقع ملياري شخص على مدار الـ30 عاما المقبلة.
حظر تصدير القمح الذي أحدث أزمة عالمية في إمدادات الغذاء في دول إفريقيا والشرق الأوسط لتصبح أكبر المتضررين، وأصبحت 11 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أبرزها المغرب، ومصر، ولبنان، واليمن، والعراق، وتونس، والأردن، فضلاً عن ماليزيا، وإندونيسيا، وبنغلاديش، مهددة بارتفاع أسعار الخبز.
ووفقاً لشبكة «لينتا رو» الروسية يصل احتياطي الحبوب حالياً في العالم إلى 57 مليون طن، وهو الرقم الأدنى لمدة تسع سنوات.
وقالت إن هذه الكميات ستكون كافية للعالم لمدة 27 يوماً، إن نقص الإمدادات الروسية والأوكرانية سوف يسفر عن تضخم أعلى في أسعار الغذاء وإلى نقص في الغذاء بشكل حاد في أفقر دول العالم.
إن السياسة والاقتصاد هما نمطان ضروريان لاستمرار وتأمين متطلبات الحياة البشرية وخاصة في الحروب والأزمات، والحرب الأوكرانية جعلت سلة الأمن الغذائي العالمي في خطر وخاصة في الدول النامية والفقيرة.