نستقبل يومنا بفرح وابتسامة لأننا نرسم حياتنا بالألوان، نرفض اللون الأسود الذي هو شعار الظلمة والعتم، نستعيد اللحظات الحلوة التي مرت في حياتنا كلما حاصرتنا الهموم والمشاكل والأحزان.
نتذكر علاقات حب قديمة عندما يواجهنا القحط والجفاف والكراهية والبغضاء التي صارت من أكثر العملات تداولاً في هذا الزمن الموبوء المسكون بالأنانية والمصالح الخاصة الرخيصة في كثير من الأحيان.
سأظل عالقاً في زماني الجميل، أيام كان الحب زهرة تنعش النفوس.. وأيام كانت مجرد لمسة ليد الحبيب تشعل النار في القلوب.
أستغرب هذه البداية لمقالتي اليوم، فجملة تتحدث عن الزمن الجميل والفرح، وفي الوقت نفسه أشتكي من القحط والكراهية! هل أناقض نفسي، أم أنا ضائع في زمن الضياع؟
الأفضل أن أهرب اليوم إلى ذلك الزمن الذي كنا نعتبره مرحلة وتمر سريعاً بانتظار الغد الواعد المرسوم في مخيلتنا على أنه المستقبل الجميل، زمن النجاح والتفوق وعلاقات الحب التي سمعناها من عبد الحليم حافظ وليلى مراد وفريد الأطرش وغيرهم من مطربي ومطربات تلك المرحلة الرائعة.
ذلك الزمن الذي نختصره بكلمات معدودات، لكنها تسع الكون وتملأ كل مساحات الخيال: الحب.. المحبة.. الأخلاق والنبل والشهامة.. كل ذلك وغيرها من الصفات البديعة، وكنا نرى أنها ليست أفعالاً مجردة ومعادلات جامدة ومكتسبات نربحها خلال حياتنا، بل إنها مثل عليا يرضعها الإنسان مع حليب أمه ويتربى عليها وتصبح ممارسة يومية والجزء المرافق لنا طوال الحياة.
ومع أننا كنا ندرك تمام الإدراك أن الحياة تتجدد كل لحظة، وأن العجلة تدور فتطوي الأيام والأعوام ولا شيء يتغير إلا البشر من طفولة إلى مراهقة فشباب وشيخوخة، فخريف العمر، لكننا لم نتصور ولا في أسوا كوابيسنا أن نصل إلى زمن غادر صعب لا يرحم كالزمن الذي نعيشه اليوم.
على الرغم من كل شيء، وما جرى ويجري، فإننا نعرف الآن أن الحياة مشوار.. سيران!!.. فلماذا نمضيها في زواريب الهموم والمشاكل؟.. لماذا لا نفتح نوافذنا على الضوء والنور.. ونطل على الطبيعة الخلابة ونستنشق الهواء النقي.. ونزركش حياتنا بالأمل والحب؟.. ولماذا نغوص في كل شيء ملوث يحيط بنا مع أننا قادرون على الانطلاق بعيداً عن الملوثات والمنغصات والمشاكل التي أوجدوها لنا كي نغرق ونضيع ونضيع معنا الماضي وما تبقى من الحاضر.
أرى خياراً وحيداً أمامنا وهو أن نغتنم الفرصة ولنعش المشاعر الإنسانية من الحب والمحبة والرقي قبل أن تتسرب بقية لحظات أعمارنا وتتحول إلى ماضٍ وتاريخ لا قدرة لنا على تغييره أو تعديله.