الأورو أمريكية أظهرت الأحداث المتسارعة في عالم الشمال، وبشكل خاص في هذه الأثناء التي تشهد حروباً بين الأمن القومي لروسيا الاتحادية ولغة الهيمنة الأمريكية على أوروبا والعالم، من خلال خلق رأس حربة لها في أوكرانيا التي جسدت مسرح هذه الحرب فصلاً من فصول الفوقية العرقية القميئة، التي استند إليها هتلر قائد ألمانيا قبل وفي أثناء الحرب العالمية الثانية 1939-1945، والتي أسس لها نظرية العرق الآري، واعتُبر عليها نازياً، عانى من أفكاره العالم برمته عقوداً من الزمن، وها نحن الآن نستذكره أمام الذي نراه ونسمعه، ولكن بصيغة مختلفة، حيث يتّحد عالم الشمال بأكمله ضد عالم الجنوب، من خلال الفرز الديني وألوان البشر، ويتحد أكثر في جوهره من خلال ما سمعناه وشهدناه على شاشات التلفزة، في أثناء لجوء الأوكران إلى الدول المجاورة والمطالبات باستضافتهم، لأنهم من النسيج الأوروبي أولاً، وثانياً لأنهم متشابهون، وثالثاً لأنهم يدينون بالديانة ذاتها، وكيف بهم يستبعدون الأعراق الأخرى، على الرغم من أنهم متزاوجون منهم، ويعملون أو يدرسون لديهم.
يقول الساسة والصحافيون: هذا ليس مكاناً مع احترامي كالعراق أو أفغانستان، حيث الصراع قائم لعقود، هذه دولة متحضرة نسبياً أوروبية نسبياً على الحدود، يجري الفرز؛ الأفارقة، الآسيويون، العرب، يستبعدون ليمر الأوكرانيون، وأقرت الحكومة الأوكرانية بأن هناك بعض العنصرية في التعامل، وأيدت الأمم المتحدة وجودها، نحن في القرن الحادي والعشرين، أليس كذلك؟ هل يعقل استمرار الفرز العنصري، نعم هي حقيقة موجودة تحت القناع الغربي الذي يسقط بفعل الحرب.
اتجهت الحضارة منذ عهد النهضة إلى التسليم بالمساواة المعنوية بين البشر، مع تخطئة المزاعم القائلة بالتفوق لأي طبقة أو عنصر أو قومية، وأن الطريقة العلمية هي السبيل إلى المعرفة، لأنها على تقاسيم الحياة والعمل الوظيفي.
المنطق السطحي للغرب يزدري عالم الجنوب، ويتحدث عن ضحالة وضآلة مستوى الحياة فيه، ويكتفي بالأسف لحاله، ولما يتناوله من أجر ضئيل، وكما هو فيه من حياة تاعسة، ويصرّ على أن أحواله السيئة تجعل كل تقدم صحيح فيه مستحيلاً، لذلك نجده أي الغرب يعمل جاهداً على شعوب الجنوب، بأن تكون أبداً متأخرة وراء الأمم الغربية التي يدعي رقيّها، وأنها موهوبة، وتتمتع بالجمال، وهو يستند دائماً إلى اللون الأبيض، الشعر الأشقر، العيون الزرقاء والخضراء، الهندام الأوروبي، التطور العقلي، على اعتبار أن عالم الجنوب متخلف ملون، فيه الأبيض والأسود والأصفر والأحمر والأسمر، والعالم برمته تداخل مع بعضه من نظرية الأبيض الذي يجسد الحيوان المنوي، والأسود ظلمات الرحم ولولا ظلماته لما كانت ولاداته، وأيضاً عرف الإنسان الألوان بعد أن تأمل قوس القزح، وكيف أنها تخرج من الأبيض «الألوان السبعة»، وتعود إليه، وللأسف إن عالم الجنوب لم ينتبه إلى هذا، فأخذ مفكرو الغرب هذه الفكرة النبيلة، وحولوها إلى عنصرية فائقة، وقالوا: إن الربّ أبيض، وإنهم ممثلوه على الأرض، فاستعبدوا الهنود الحمر وأبادوهم، واستعمروا إفريقيا وآسيا، وأخضعوا سواد البشرية لعبادتهم، وحتى اللحظة هناك شعوب تعبد كثيراً من قادة الغرب، وتعتبرهم آلهة لهم، ومنهم ولي عهد بريطانيا الأمير فيليب، وبعده أبوه الأمير تشارلز، الذي يعبد في إحدى جزر فانواتو إحدى دول الكومونولث القريبة من أستراليا، وحتى ترامب يعبد لدى بعض القبائل.
الرسول العربي عليه السلام أتاه أعرابي شكوك ظنون، وسأل أن زوجته أنجبت له ولداً أسود اللون، وهما خلاف ذلك، فأجابه عليه السلام بذكاء الجمع لا الفرقة: «هذا عسى أن يكون نزعة عرق» وكاد أن يكون عرفاً أن البطن بستان فيه أشكال وألوان، والبعض أفاد بأن النسب يعود إلى الجد السادس، وهذا تحول إلى مثل متداول بين الناس، والعلم يدعم ذلك عبر المورثات والجينات، حتى وإن اختلفت الجغرافيا، وجوهر جميع الديانات لا يفرق بين ألوان البشر إلا بالعلم والنجاح والتقوى، وهذا هو الإيمان بالإنسانية وأبعادها التي لا تؤدي إلى إقصاء الناس عن بعضهم أو فرزهم حسب المعتقد أو اللون أو الشمال والجنوب والشرق والغرب.
مهما يكن من أمر، فإن الاقتناع بأن أنواعاً خاصة من المميزات تختص بجماعات من الناس، تقيم في مناطق خاصة، لا يزال قائماً، لذلك هل يعقل بعد هذا التطور العقلي النوعي والتقدم الهائل وعلى المسارات كافة الذي أدى إلى تهذيب الإنسان ورفع ذائقته البصرية والجمالية أن يقصي أخاه الإنسان على لونه أو معتقده أو غناه أو فقره؟ مؤكّدٌ إن كان يعقل فالجميع ذاهب إلى الحالة الغابيَّة التي تؤمن بالبقاء للأقوى، والتي تنتصر للفوقية والعنصرية.