علَّمتني الحياة أن لا شيَ فيها شرٌ بالمطلق أو خيرٌ بالمطلق، لكن القصة تبدأ من الطريقة التي نتعاطى فيها مع الأفكار المُسبقة التي لدينا تحديداً بما يتعلَّق بمفهومِ المصطلحات، ومنها مصطلح الليبرالية.
لا تبدو الليبرالية مصطلحاً جامداً، فالفكرة التي تنطلِق من الحريةِ في كل شيء قد لا تُناسِب الكثير من المجتمعات في شقِّها السياسي والاجتماعي وهذا أمر مفهوم لا جِدال فيهِ، لكن في الإطار الاقتصادي تبدو القضية أكثر تعقيداً في فهم محاسن ومساوئ هذا النظام، أو ضرورةَ التحول إليه بالحد الأدنى الذي يحافِظ على قدرةِ الدولة على التدخل حينَ الطلب، وبمعنى آخر تترك الدولة حرية المنافسة التجارية لأنها ترى أن هذهِ المنافسة ستنعكِس حُكماً على المصلحةِ العامة، بعيداً عن سطوة الدولة في تفضيلِ هذا على ذاك بما فيها الشركات المملوكة للقطاع العام وبعيداً عن سطوةِ حيتان المال الذين يرون في كل منافسةٍ رِجسٌ من عملِ الشيطان، فعرقِلوه!
لن نُسهبَ كثيراً في نقد أو تقريظِ هذا المفهوم، لكن لفتني قبلَ أيام الخبر الذي يقول إن شركةَ تِسلا الأميركية وهي رائدةُ صناعةِ السيارات الكهربائية في العالم افتتحت مصنعاً ضخماً في ألمانيا، هذا الخبر ربما لا يعني الكثيرين وقد يذهب البعض لاعتباره ردَّاً على الابتزاز الروسي بقضايا الطاقة علماً أن قرار إنشاء المعمل مُتَّخذ منذُ سنوات.
يُقال إن رجل الأعمال الكندي ومالك شركةِ تسلا الملياردير «إيلون ماسك» هو أشجع مستثمر على وجهِ الأرض لدرجةٍ تحسبهُ وقد أسقط المقولة الشهيرة «رأس المال جبان»، تحديداً عندما قررَ الاستثمار بسوقِ تصنيعِ السيارات وهو السوق الذي كان محرَّماً دخولهُ منذ عقودٍ من الزمن بسببِ السطوة التي تتمتع بها كبرى الماركات العالمية في سوق السيارات، لتُصبح تسلا بزمنٍ قياسي إحدى أهم العلامات التجارية في هذا العالم، ليسَ هذا فحسب لكن تسلا تمكنت من الحصول على مقعدٍ لها في إحدى أهم دول العالم في تصنيع السيارات وكل ما يتعلق بتقنياتها وهي ألمانيا.
من وحي انتقالنا من إخفاق إلى آخر في القطاع الاقتصادي، فإن الكثير من الأسئلة قد تدور في أذهاننا ونحن نتابع خبراً كهذا، تُرى ألم تعترض العائلات الكُبرى المالكة للماركات الألمانية الأشهر كـ«أودي وميرسيدس وبي أم» بذريعةِ ضرورة الحفاظ على المنتج الوطني حتى لو كان هذا المنتج يمتص دماء الشعب؟!
ألم يحاول بعض من تضررت مصالحهم في ألمانيا عرقلةَ مشروع كهذا كما عُرقلت آلاف المشاريع لدينا لأن الملف الاستثماري يبدو مُحكماً ولا يتيح للمسؤولين عنه «لحسة أصبع!»، هل كان هناك بعض من الرفاق «الألمان» يبيعون من وافقوا على هذا المشروع درساً في الوطنية والانتماء والمنعطفات التاريخية التي قد تمر بها الدولة الألمانية جراءَ دخول رأس المال المنافس؟! وغيرها الكثير من الأسئلة التي قد لا يتسع لها مكان هنا وقد لا يتسع لها صبر من يشعر وكأنها تصفعه.
في الخلاصة: بصراحة لا يوجد في هذهِ الزاوية أي خلاصةٍ تَفي بالغرض أكثر من هذهِ العبارة البسيطة:
مساكين هؤلاءِ الألمان، وسُحقاً لليبراليتهم الاقتصادية!