أصبحت الصورة بعد أربعة أسابيع على العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وظروف التصعيد المتزايد من الولايات المتحدة، أكثر وضوحاً إلى حد يشير إلى عدد من المسلمات المعقولة للاتجاه الذي تسير نحوه هذه المواجهة بين الغرب بمختلف أدواته ودوله من جهة، وبين روسيا الاتحادية وحلفائها من جهة أخرى، فروسيا لن تتوقف عن إجراءاتها إلا بعد الاتفاق على احترام شروطها، ويبدو أن هذا ما أدركه عدد من الدول العربية التي وجدت أن الإدارة الأميركية تريد أن تفرض عليها تنفيذ خطة سياسية واقتصادية ضد روسيا ومنها المنافسة في تصدير النفط والحيلولة دون الاعتماد على النفط الروسي، حتى لو تنازلت هذه الدول عن مصالحها المالية في مجال النفط والغاز وتصديرهما في الأسواق العالمية، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية ستزج بدول عربية كثيرة للوقوف ضد روسيا عن طريق شن حرب اقتصادية تدفع هذه الدول ثمنها مما تربحه من تصدير الغاز والبترول.
ويبدو أن دولاً مثل الإمارات والسعودية والكويت بدأت تتجه نحو انتهاج سياسة النأي عن معاداة روسيا، وهذا الموقف هو ما لن تستطيع واشنطن تغييره، وإضافة إلى ذلك يلاحظ الجميع أن واشنطن تمكنت من حشد دول أوروبية كثيرة وتجنيدها لشن عقوبات اقتصادية ثبت أن بعضها يلحق الضرر باقتصاد هذه الدول نفسها، كأنها تسعى إلى إطالة أمد الحرب في أوكرانيا لفرض استنزاف شامل على روسيا وحلفائها.
السؤال الذي تتعين الإجابة عنه: هل ستنجح الإدارة الأميركية ومعها الغرب بتحقيق أهدافهما ضد روسيا وحلفائها؟
يرى محللون في أوروبا والولايات المتحدة أن إطالة أمد الحرب على روسيا من دون التوصل إلى اتفاق مقبول من روسيا، يستحيل تحقيقها لأن القيادة الروسية تثق بأن الحرب لن تطول على الأراضي الأوكرانية ما دام الجيش الروسي يتوسع في سيطرته على مدن وأقاليم كثيرة، وسوف تؤدي التغيرات التي يفرضها الجيش الروسي في الميدان إلى احتمال مرجح بظهور قيادة أوكرانية تتفاوض على حل وسط مع موسكو، يضمن أمنها وأمن أوكرانيا من دون التمسك بعضوية الأطلسي، وقد تغضب هذه النتيجة واشنطن بشكل خاص، لكنها لن يكون بمقدورها منع مثل هذا التطور لأن رفضها له سيؤدي إلى انقسام حاد بين الأوكرانيين وربما إلى نزاع داخلي على الحكم.
أما في حالة استمرار الحرب لأسابيع أو أشهر أخرى أو أكثر، وهو ما تسعى إليه واشنطن، فإن مثل هذا الاحتمال لن تسمح به السياسة الميدانية الروسية، ومن الصعب المحافظة أثناء إطالة مدة الحرب على القيادة نفسها التي تحيط بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فمع تطور الوضع الداخلي والعملية العسكرية الروسية المشتركة مع جيش دولة دونيتسك ودولة غالانسك، سيظل ميزان القوى يميل لمصلحة العملية العسكرية الروسية داخل أوكرانيا، ومع سياسة الإطباق على بقايا الجيش الأوكراني ستتوقف العمليات العسكرية الرئيسة الكبيرة وسيكون من الطبيعي فرض حالة هدوء نسبي في مدن كثيرة وتمهيد طريق مناسب لمرحلة جديدة لمستقبل المواجهة في أوكرانيا.
في النهاية سيكون من الصعب جداً احتمال وقوع أي صدام مباشر عسكري بين جيوش دول في الأطلسي والجيش الروسي لأن ذلك يعني السير نحو حرب عالمية ثالثة قد تصل نهايتها إلى استخدام السلاح النووي، وهذا ما لن تسمح الدول الأوروبية بالوصول إليه فوق أراضيها، وفي هذه الحال سيقع الانقسام بالرأي بين دول الاتحاد ومصالحها وبين الولايات المتحدة ومصالحها الأنانية الأحادية، أما الصين المتضامنة من دون أدنى شك مع روسيا، فقد يكون لها دور الحليف النزيه في أي تصعيد أميركي ضد روسيا، لأن وقوفها مع موسكو سيجعل واشنطن تضع حسابات كثيرة لمستقبل حربها ضد روسيا.
هذا على الأقل ما يتوقعه عدد من المحللين في أوروبا والولايات المتحدة، وهذه السيناريوهات أو الاحتمالات لا يحتاج ظهور أحدها أو بعضها لزمن طويل، فقد تظهر ملامح ومؤشرات بعضها خلال أسابيع أو أشهر ليس أكثر.