قضايا وآراء

مستشار سابق لثلاثة رؤساء أميركيين: أوكرانيا لا تستحق السير نحو حرب نووية

| تحسين الحلبي

في 24 آذار الجاري نشر باتريك بوكانان، وهو مستشار سابق لثلاثة رؤساء أميركيين سابقين: ريتشارد نيكسون وجيرارد فورد ورونالد ريغان، ومؤلف كتاب «تشرتشيل وهتلر والحرب التي لم يكن لها ضرورة» في المجلة الاليكترونية «أنتي وور» تحليلاً بعنوان «هل انتصار أميركا في أوكرانيا يستحق حرباً نووية؟» انتقد فيه السياسة الأميركية في الموضوع الأوكراني وبرر أن وجود أوكرانيا بواقعها من دون عضوية الأطلسي لا يشكل ذلك الخطر الكبير الذي تبالغ بتقديره إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واستذكر اعتراف الرئيس الأميركي فرانكلين روزفيلت عام 1933 بجوزيف ستالين رئيساً للاتحاد السوفييتي رغم سياسة ستالين الخارجية والداخلية المتشددة المتناقضة مع الغرب ويضيف: «بقيت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفييتي أكثر من سبعين سنة دون أن يشكل ذلك سببا لحرب أميركية ضد موسكو».

ومع ذلك إذا نظر أي مراقب محايد بشكل موضوعي إلى طبيعة الامبريالية الأميركية وسجلها، سيجد أنها تعمل دوماً على وضع سياسات ترفض فيها وجود أي قوة كبرى تنافسها على مصالحها أو تمنعها من فرض نظامها الأحادي على العالم أو تفرض عليها التسليم بشراكة لا مفر منها في النظام العالمي، وكل هذه العوامل تعد أسباباً بنظر الولايات المتحدة تستوجب شن الحروب على أي قوة تتجه نحو مثل هذا التفكير، وهذا هو سبب معظم الحروب الأميركية في العالم.

يلاحظ الكثيرون أن بريطانيا وفرنسا، القوتين الكبريين، لم تستطيعا بعد الحرب العالمية الثانية الحصول على مقعد متساو مع الولايات المتحدة في المشاركة بإعداد نظام عالمي يتجاوب مع مصالحها، فقد فرضت واشنطن على كل منهما التخلي عن عدد من مستعمراتهما ومواقع نفوذهما في قارات عديدة، وهما اللتان كانتا لوحدهما تقتسمان العالم، وتقتسمان باحتلالهما مناطق ودولاً كثيرة، ولكي لا تصطدما بالولايات المتحدة سلمت كل منهما بقواعد نظامها وبالحصة التي حددتها لكل منهما، لكن القوتين الكبريين روسيا الاتحادية والصين الشعبية، ترفضان التسليم بالهيمنة الأميركية وتعززان قدراتهما لإسقاط النظام الأميركي – الغربي الأحادي وإنشاء نظام عالمي متوازن، وهذا ما تعده واشنطن إعلان حرب عليها.

فالموضوع الأوكراني لم تكن واشنطن تريد منه سوى دور وظيفي يضعف روسيا ويحاصرها ويعرقل قدرتها على إسقاط النظام الأميركي، ووجدت واشنطن في المجموعة الحاكمة في أوكرانيا وخاصة الرئيس فلوديمير زيلينسكي أداة تقبل بتنفيذ المخطط الأميركي- الغربي، وتقديم دماء الشعب الأوكراني والتسبب بدماره لمصلحة هدف أميركي لن تحققه واشنطن ضد روسيا وستصبح الضحية الوحيدة له هي أوكرانيا وشعبها، وهذا ما يتوقعه الكاتب السياسي المختص بالسياسة الخارجية الأميركية وتاريخها تيد سنايدير في تحليل نشره في 24 آذار الجاري في مجلة «أنتي وور» بعنوان «أميركا لا تزال تخطئ في رؤيتها للنظام العالمي» ويؤكد أن قوتين كبريين هما روسيا والصين لن تسمحا لواشنطن بفرض نظامها العالمي، ويكشف أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين حاولت بكثافة منذ 14 آذار الجاري إبلاغ الصين رسائل كثيرة حملت تهديداً وعقوبات لمنعها من الوقوف إلى جانب موسكو، واجتمع مستشار الأمن القومي الأميركي بمفوض السياسة الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني، دون أن يحقق أي أمل بتغيير الموقف الصيني الداعم لروسيا.

لا شك أن طبيعة المجابهة الغربية ضد روسيا وأهدافها محكومة بالفشل لأنه من البديهي ألا تتمكن أوكرانيا مهما دعمها الغرب بالسلاح، أن تهزم روسيا أو أن تضعف قدراتها، ويؤكد سنايدير أن تلويح موسكو بإعداد سلاحها النووي للتأهب قبل أسابيع قليلة، ردع واشنطن والأطلسي وأوروبا، فعجزت واشنطن عن إرسال جنودها أو جنود الأطلسي للمشاركة بشكل مباشر عسكري في الحرب ضد روسيا على الأرض الأوكرانية خوفاً من اندلاع حرب نووية، وهو ما حذر منه بوكانان حين قال إن أوكرانيا لا تستحق خوض حرب نووية أميركية من أجلها.

ولا شك أن واشنطن تدرك أيضاً إلى جانب ذلك، أن الخطة نفسها التي ينفذها الغرب بتقديم الدعم العسكري للجيش الأوكراني على غرار ما يجري الآن، تستطيع موسكو تنفيذها في مثل هذا الوضع فترسل السلاح الحديث لكل دولة تشن واشنطن الحرب ضدها، وخاصة في الشرق الأوسط، وفي هذه الحال ستتوسع الحروب التي تستهدف الولايات المتحدة ومصالحها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن