قضايا وآراء

الصراع التنافسي الأميركي الصيني في الشرق الأوسط

| الدكتور قحطان السيوفي

بسبب موقِعه الجيو- إستراتيجي وموارده وثرواته، يحظى الشرق الأوسط باهتمامٍ كبير لدى القُوى الدولية، على اختلاف رؤاها السياسية، خاصة مع تَشكُّلٍ قُطبيٍّ جديد بصعود الصين كقوةٍ اقتصاديةٍ عملاقة، لتصبح منطقة الشرق الأوسط إحدى المناطق المتأثِّرة بتطوُّرات تحوُّل القطبية الدولية من أُحادية إلى قطبية ثُنائية أو متعدِّدة، ومسرحاً للتنافس والصراع في منطقة تعتبر قلب العالم، وحلقةَ الوصل بين الشرق والغرب، وتمتازُ بممرّاتها للتجارة الدولية، وبغِنى ثرواتها، وخاصة الطاقة.

تصعد الصين بقوَّة، وهذا الاندفاع الصيني فرضَ على واشنطن ضرورةَ مراجعة سياساتها تجاه بكين، والتحوُّل من سياسة الشراكة الإستراتيجية التي سادت بعد نهاية الحرب الباردة إلى التنافُس الإستراتيجي، بين واشنطن وبكين في الشرق الأوسط.

الولايات المتحدة لديها نفوذٌ تقليدي وحضورٌ أمنيٌ وعسكريٌ كبير، والصين بدأت تنخرطُ في قضايا الشرق الأوسط، عبر خطوط الربط الاقتصادي العملاقة، كمبادرة «الحزام والطريق»، والتي تمُرّ جميعها بالشرق الأوسط، الصيغة الجديدة للهيمنة الأميركية أصبحت تفضل استخدام الوكلاء على الأرض، وتركز على إستراتيجية القوة الناعمة بنوع من واقعية جيوستراتيجية ضمن تعدد الأقطاب، وتحوّل الرهان على الابتكارات التكنولوجية والإبداعات الإستراتيجية، وتعتبر الولايات المتحدة الشرق الأوسط أهم مصدِّرٍ للنفط، مع الصراع بين الشرق والغرب، والرعاية الأميركية لوجودِ إسرائيل ضمن إقليم يعتبرها كياناً محتلاً لأراضي الغير بالقوة، فضلاً عن أهمية مواجهة القوى المنافسة؛ كالصين وروسيا وتراجُع أهمية الشرق الأوسط في ظلّ توجُّهات إدارة الرئيس جو بايدن لنقل بعض القوّات الأميركية إلى الباسيفك لمواجهة الصين، ستكون على حساب الوجود الأميركي في الشرق الأوسط.

المؤشرات تشير إلى أن الانسحاب الأميركي العسكري من الشرق الأوسط، ممكن، إلا أن الانسحاب السياسي غير ممكن بالنظر للمصالح الأساسية للولايات المتحدة في المنطقة منها صادرات السلاح الأميركي وأهمية الممرات المائية وأمن إسرائيل.

أصدرت الصين عام 2016م «الكتاب الأبيض» لتفصيل سياساتها تجاه الشرق الأوسط، وفق ثلاثة محاور؛ الأول مجال الطاقة كمحورٍ رئيس، والثاني البُنى التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار، وثالثاً المجالات التقنية المتقدِّمة كالطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية وذلك في إطار الواقعية الاقتصادية والتجارية.

للصين علاقاتٌ تاريخيةٌ واقتصادية وتكنولوجية وتنموية مع دول الشرق الأوسط، وخاصة إمداداتها من الطاقة بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، كما أن الشرق الأوسط هو سوق مهمَّة لمشروعات الربط الاقتصادي الصيني الدولية العملاقة، كمبادرة الحزام والطريق، والصين أهم شريكٍ تجاري لدول الشرق الأوسط، وتستطيع مساعدتها بعمليات التنمية مالياً، من خلال البنك الآسيوي للتنمية، الذي أصبح يُنافس البنك وصندوق النقد الدوليين، وصل حجم التبادُل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط إلى 151 مليار دولار خلال عام 2020، وفرضت الصين شراكتها التكنولوجية مع دول الشرق الأوسط بشبكات الجيل الخامس g5، وأصبح التعاون التكنولوجي مصدرَ إزعاجٍ لواشنطن التي تمارس ضغوطاً على بعض دول المنطقة، من أجل وضع حدٍّ للنفوذ التكنولوجي الصيني، الذي يبدو كـ«حرب تكنولوجية» باردة.

يبدو أن الصين لديها قناعة مفادها أن إيران هي القوة الآسيوية الأهم المناسبة عسكرياً وجغرافياً لمساعدتها في إنشاء توازن مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والاضطلاع بدور الضامن الأمني للمصالح الاقتصادية والحيوية لبكين.

التصعيد الأميركي مع الصين بخصوص تايوان ومع روسيا بشأن أوكرانيا، يؤدي بالضرورة للتقارب الروسي- الصيني في مواجهة الولايات المتحدة.

لقد عملت روسيا والصين على دعم الجمهورية العربية السورية وتحدي النفوذ الغربي والأميركي، وقد نجح التحالف الصيني الروسي مع إيران في دعم الدولة السورية منذ بداية الحرب الكونية الإرهابية على سورية، واتّخذت الصين موقًفاً مؤيداً للدولة السورية، واستخدمت في 2012 حقّ الفيتو للاعتراض بقوة على مشروع القرار العربي- الأوروبي‏، الذي يتبنّى دعوةَ الجامعة العربية اليائسة لتنحِّي الرئيس بشار الأسد عن السُلطة، الفيتو الصيني أكد بقوة دورها الدبلوماسي والسياسي وموقفها الداعم للجمهورية العربية السورية، واستخدمت لاحقاً حقّ الفيتو مرّاتٍ عديدة لإحباط صدور قراراتٍ عن مجلس الأمن ضدّ الدولة السورية.

في حين تستمر الولايات المتحدة الأميركية باحتلال جزء من الأراضي السورية وسرقة ثرواتها النفطية والزراعية.

مارست واشنطن ضغوطاً شديدة على إسرائيل؛ للحيلولة دون فوز الشركات الصينية بمناقصةٍ لبناء أكبر محطَّة تحلية للمياه في العالم يتمّ إنشاؤها في إسرائيل، المعادلة الجيو- أمنية الإستراتيجية مع الولايات المتحدة وتوازيها معادلةٌ جيو- اقتصادية مع الصين، ربما تكون ضماناً لدولِ الشرق الأوسط للحد من تأثيراتٍ الصراع.

ضمن واقع تراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط تجد أميركا نفسها تلاحق الأحداث، ولا تصنعها كما كان الأمر في زمن حقبة الاستعمار الأميركي السابقة ما جعل الشرق الأوسط على أعتاب حقبة ما بعد أميركا، المنطقة ستشهد خلال المرحلة المقبلة تنافُساً وتشابُكاً للحضور الأميركي- الصيني، ناهيك عن كونه يمثل حديقةً خلفية للصراع الدولي القادم، الولايات المتحدة والصين تولِيان أهمية بالغة لأمن الطاقة، فالدولتان يؤرِّقهما تعطيل انسياب صادرات النفط، وانعكاسات ذلك على الأسواق العالمية.

هذا التوافُق يخلق مساحةً من الهدوء النسبي المؤقت في معادلة التنافُس بل الصراع المستمر بين الطرفين في العالم، وفي الشرق الأوسط الآن، مع تزايُد قوَّة الصين الاقتصادية ومحاولة الولايات المتحدة اليائسة عرقلة وقطع السُبُل على التنِّين الصيني الصاعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن