قضايا وآراء

قمم بروكسل الجوفاء

| هديل علي

استعرضت عضلاتها وصرخت بأعلى صوتها وقالت الكثير الكثير، والحديث يدور عن دول حلف شمال الأطلسي ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع الكبار «جي7»، التي عقدت ثلاث قمم طارئة في العاصمة البلجيكية «بروكسل»، على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

تصريحان متناقضان تمخضا عن القمم المنعقدة خلال الحدث نفسه، حيث أكد بيان زعماء الحلف العتيد على نشر 40 ألف عسكري في جناحه الشرقي، إضافة إلى أصول جوية وبحرية ملموسة، وتشكيل أربع مجموعات قتالية جديدة لقواته في بلغاريا وهنغاريا ورومانيا وسلوفاكيا، ومواصلة تطوير قدراته المطلوبة للرد على أي إجراءات عسكرية أو سيبرانية أو تهديدات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية، ليكون الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في المقلب الآخر واضحاً وبسيطا للغاية، مستبعداً بتصريحاته إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين الحلف وروسيا على الرغم من التطورات الأخيرة في أوكرانيا التي خلقت «واقعاً جديداً» في أوروبا بحسب قوله، ليطفو على سطح الأحداث الراهنة والتصريحات المتعددة تساؤلات حول الفائدة من إجراءات الناتو العسكرية التي أعلن عنها بيان الزعماء والتحذيرات التي أُطِّرت في قالب «التصريحات الإعلامية» وصب المزيد من الزيت على النار، والاستمرار في خديعة نظام كييف ورأسه الضائع الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

تساؤلات أجاب عنها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مؤتمر صحفي، عندما أشار إلى أن إدارته وافقت على تصدير مساعدات دفاعية إلى كييف بقيمة مليار دولار، وأن القيمة الإجمالية للمساعدات العسكرية للحكومة الأوكرانية منذ توليه مقاليد الحكم تجاوزت عتبة الملياري دولار، من دون أن يخفي غايته التي بانت عندما لمعت أسنانه فرحاً أثناء تعهده بتزويد الاتحاد الأوروبي بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال، والتي حددت بـ15 مليار متر مكعب إضافية بغية الإسهام في «تقليل»، وليس الاستغناء عن إمدادات الطاقة من روسيا، فهو يعي تماما عن ماذا يتحدث، ويعرف بالأرقام الاحتياجات الأوروبية، ويريد أن يتقاسم بيع الغاز إلى أوروبا مع روسيا، وهو جزء من المطلوب وليس كله.

خطاب الزعماء الأوروبيين كنواء القطط تماماً، فرئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون أغدق بالتصريحات حول أرقام الصواريخ ومليارات الجنيهات الإسترلينية المقدمة إلى كييف، لكن من دون دبابات ومقالات، إضافة إلى تعزيز وجود قواته في بلغاريا، مشدداً على الوجود فقط، لأن الرجل أقر بعد كل هذا الكرم بعدم إمكانية التدخل عسكرياً في الصراع أو فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا على حد تعبيره.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد كان أكثر مباشرة من سابقه وأقر بكلام معقول بعدم إمكانية انخراط بلده في أحداث أوكرانيا، متعهدا بأن باريس ستواصل مفاوضاتها الرامية إلى وقف القتال ما دامت الحاجة قائمة إليها، فيما اكتفى المستشار الألماني أولاف شولتس بالتنديد بقرار الرئيس الروسي حول تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل متوعداً بمزيد من العقوبات.

وبالنتيجة، فليس لهذه القمم من إجراءات عملية تُذكر، وهي فقط في سياق التصريح الإعلامي والتنديد وإظهار القلق، وهم بالواقع لا حول لهم ولا قوة أمام أبسط رد روسي اقتصادي على عقوباتهم المتجلية بتحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل، ولن يستطيعوا شيئاً سوى أن البنوك الأوروبية ستقوم ببيع اليورو وشراء الروبل لتعزيز العملة الروسية لقاء ثمن الغاز، وهي في النهاية لمصلحة موسكو، فهل بيدهم حيلة حول هذه الإجراءات، وما خطوتهم التالية غير التنديد والقلق والتحذير؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن