ثقافة وفن

إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ … «مكان آخر»… بانوراما مسرحية تجمع أبرز المحطات في تاريخ المسرح

| مايا سلامي - تصوير طارق السعدوني

ضمن احتفالية يوم المسرح العالمي افتتحت مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة يوم أمس العرض المسرحي «مكان آخر»، من إعداد يوسف شرقاوي، وفكرة وإخراج سهير برهوم وذلك على خشبة مسرح الحمراء في دمشق.

يصور العرض أبرز المحطات في تاريخ المسرح من خلال الدمج لعدة مشاهد تعود إلى ألمع العصور المسرحية بدءاً من الإغريق واليونان وصولاً إلى مسرح «أبو خليل القباني» ويخلص إلى مقولة مفادها الحب والتمسك بهذه الخشبة التي تعتبر وطناً صغيراً حدوده المسرح أينما اتجهت، بأسلوب مثير جعل الماضي حاضراً أمام أعيننا باستحضار أجمل ثنائيات الحب التي عرفها المسرح العالمي وتقنيات عالية جذبت أنظار الحاضرين، وتخلل العرض بعض اللوحات الراقصة أدتها فرقة ميرال للمسرح الراقص بإشراف جمال تركماني ومحمد طرابلسي.

ملجأ المسرحيين

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» كشفت المخرجة سهير برهوم أن «الرمز إلى المسرح بالمكان الآخر جاء من كونه الملجأ لنا ولكل المسرحيين، وهذا الكلام يأتي على لسان الراوي في المسرحية وهو مقصود فهؤلاء الأشخاص الذين قدمهم العرض هم أشخاص مسرحيون، وعندما حدث شيء يدعو إلى الخوف لم يجدوا إلا المسرح ملجأ لهم، وعندما لجؤوا إليه استحضروا الشخصيات وبدأت تتوالى المشاهد التي يربط بينها رسالة هي الحب بكل معانيه وحب المسرح والتمسك بهذا المكان، فالحياة مسرح والمسرح صورة عن هذه الحياة».

وعن الصعوبات التي يعيشونها كمسرحيين في ظل الواقع الحالي بينت الأستاذة سهير أن: «المسرح يحتاج إلى دعم وإمكانات مادية ونحن في وضع صعب جداً أصبح فيه الإنسان العادي والإنسان الفنان في حاجة لتأمين سبل عيشه والمسرح فقير، وأنا أريد أن أعتبر هذه صرخة للجهات المعنية بأن يدعموا المسرح أكثر ويرفعوا أجور المسرحيين لمنحهم الإحساس بقيمة الجهد الذي يبذلونه فنحن نأخذ فقط نتيجة معنوية وفرحتنا بهذا العمل لا تقدّر بالمال ولكن نريد العيش كالمسرحيين».

بانوراما مسرحية

وبيّن الممثل المسرحي سليم قطايا أننا «صنعنا في هذا العرض بانوراما مسرحية من المسرح الإغريقي إلى اليوناني إلى الروائع من المسرحيات العالمية وصولاً إلى «أبو خليل القباني» رائد المسرح السوري، وتم جمع كل ذلك من خلال الحب الذي رمزنا له بحب خشبة المسرح وحبنا لبعضنا بعضاً فنحن نحاول أن نقدم الحب على أنه حالة تجمع البشرية كلها».

تجربة غنية

أما الممثل زهير البقاعي فبين أن «مشاركتي في هذا العمل مشاركة جميلة جداً لكون العالم بأجمعه يحتفل بيوم المسرح العالمي فكيف إن كان ذلك في سورية بلدنا الحبيبة، وهذه التجربة غنية وجميلة بكل المقاييس لوجود فنانين عشاق للمسرح ولوجود المخرجة التي كانت مثابرة باتجاه تقديم مادة فكرية وبصرية مهمة في محاولة للإحاطة بالمسرح وما يمكن أن يقدمه هذا الفن الذي يحتوي كل الفنون بكل جمالياتها».

وعن تراجع دور المسرح مقابل الأعمال التلفزيونية والسينمائية قال: «لا يمكن على الإطلاق إلا أن يكون المسرح في الصدارة لأن المسرح هو لقاء بشري وحميم جداً للإنسان مع الإنسان الآخر، والمسرح يشكل حالة عناق ومحبة لا يمكن أن تكون في التكنولوجيا على صعيد الصورة والأشياء المؤطرة، ويبقى المسرح هو الدفء والجمال بتجلياته التي لا يمكن الاستعاضة عنها بأي فن من الفنون الأخرى لأن الممثل موجود بجسده وبكل معطياته مقابل المتلقي».

أوفيليا

وكشفت الممثلة عبير بيطار أن «أهم ما في هذه التجربة بالنسبة لي وقوفي على هذه الخشبة إلى جانب أساتذة لهم تاريخهم وعمرهم الفني الذين أتشرف بوجودي معهم وأخص الأستاذة سهير التي أعتبرها كأم لي في المسرح الذي هو ملجأ الأمان بالنسبة لي وله خاصيته في قلبي».

وعن دورها في المسرحية بينت: «إنني أجسد شخصية أوفيليا حبيبة هامليت وشخصية ستراغون من مسرحية «في انتظار غودو» وأجسد في مونولج الدونجوان شخصية الفتاة التي تلاحقه وترغب في الارتباط به».

سحر خاص

وأشار الممثل المسرحي علي القاسم إلى أن: « هذا العرض قدم في يوم المسرح العالمي وهو عبارة عن مشاهد حيث انتقينا من كل مسرحية مشهداً وصنعنا هذا الرابط بين المشاهد ووصلنا بالأخير إلى التمني على أن تكون حدود هذا المسرح مسارح أخرى من كل الجهات وبكل مكان وكل لحظة، فالمسرح له سحره الخاص الذي لا تحققه أي وسيلة أخرى».

الوقوف على الجنة

أوضح الممثل وليد الدبس أن: « الوقوف على المسرح كالوقوف على الجنة بالنسبة لي ولكل المسرحيين، فالمسرح هو نبضنا وعشقنا وهاجسنا بشكل دائم ولا يمكن أبداً أن نبتعد عنه كثيراً وإن أرغمتنا الظروف في بعض الأحيان، إلا أننا لا نتخلى عن المسرح لأنه يمدنا بالطاقة والحب والثقة بالنفس وكل ما هو جميل، فالمسرح هو عالمنا الذي نشعر من خلاله بأهمية وجودنا في هذه الحياة».

الشكل الفني للتجربة

كما افتتحت المخرجة سهير برهوم العرض بإلقاء كلمة يوم المسرح العالمي التي كتبها لهذا العام المخرج والمسرحي الأميركي بيتر سيلرز وأكد فيها أن المسرح هو الشكل الفني للتجربة في عالم تغمره الحملات الصحفية الواسعة والتكهنات المروعة.

وأضاف: إن مسرح الرؤية الملحمية والغرض الملحمي والتعافي الملحمي والإصلاح الملحمي والرعاية الملحمية يحتاج إلى طقوسٍ جديدة. لسنا بحاجة إلى الترفيه، بل إلى التجمع ومشاركة الفضاء الواحد، نحن بحاجة إلى إنشاء فضاءٍ مشترك ومساحاتٍ محمية للاستماع العميق والمساواة. مشيراً إلى أن المسرح هو خلق تلك المساحة على الأرض التي يكون فيها الكل متساوياً.

وفي الختام قال سيلرز: «حان الوقت للانتعاش العميق لعقولنا، لحواسنا، لتخيلاتنا، لتاريخنا ومستقبلنا ولا يمكن القيام بهذا العمل من أشخاص معزولين يعملون بمفردهم ويتعين علينا القيام بهذا العمل معاً، والمسرح دعوة للقيام بهذا العمل معاً».

يوم المسرح العالمي

يتم الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في 27 آذار من كل عام وتم تحديده من المعهد الدولي للمسرح في عام 1961، ويهدف الاحتفال إلى التوعية بأهمية فنون المسرح وتسليط الضوء على كيفية استخدامها لتعزيز السلام والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى الترويج للمسرح في جميع أنحاء العالم والمساعدة في تعزيز مجتمعات المسرح المحلي على نطاق أوسع ومشاركة حب المسرح مع الآخرين.

ويتم تنظيم فعاليات مختلفة للاحتفال باليوم العالمي للمسرح ومن السمات البارزة لهذه الأحداث السنوية الرسالة الدولية لليوم العالمي التي تقدمها شخصية فنية مشهورة تعكس تاريخ المسرح وثقافة السلام وأول هذه الرسائل قالها الكاتب المسرحي الفرنسي جان كوكتو عام 1962. وفي عام 1996 اختير الكاتب والمسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس من المنظمة العالمية للمسرح لإلقاء كلمة يوم المسرح العالمي وقال فيها جملته الشهيرة: «إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن