قضايا وآراء

الخيار «صفر»

| أحمد ضيف الله

الاتصال الهاتفي المفاجئ الذي أجراه مقتدى الصدر في الـ10 من آذار 2022 مع رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، اعتبر خطوة مهمة في تحريك حالة الانسداد التي تشهدها الساحة السياسية العراقية، وخاصة أنه أوحى أن الفيتو الموضوع من قبل الصدر على نوري المالكي قد رُفع، وأن الجانبين في الإطار التنسيقي والتيار الصدري ماضيان باتجاه تجاوز العقبات واستكمال الاستحقاقات الدستورية في الاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة المقبلة.

إلا أن تغريدة مقتدى الصدر «لا شرقية ولا غربية حكومة أغلبية وطنية» التي أعقبت اجتماعه الموسع في الـ12 من آذار الحالي في مدينة النجف، مع رئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ورئيس «تجمع سند» أحمد الأسدي، ورئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، أشارت إلى أن الخلافات لم تفض إلى توافقات، وأنها لم تنه حالة الجدل بين التوجه إلى تشكيل «حكومة أغلبية وطنية» بحسب ما يدعو إليه الصدر، أو «حكومة توافقية» بحسب ما يتمنى الإطار التنسيقي.

ولما كان تأمين حضور ثلثي النواب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الـ26 من آذار 2022 أمر صعب جداً، أي حضور 220 نائباً من أصل 329 عدد نواب المجلس النيابي، طلب مقتدى الصدر في تغريدة له في الـ21 من آذار الجاري من المستقلين، «إسنادهم للجلسة البرلمانية التي يتم بها التصويت على رئيس الجمهورية وعدم تعطيله بالثلث المعطل»، واعداً إياهم بإعطائهم «مساحة لإدارة البلد إن وحدتم صفوفكم وابتعدتم عن المغريات والتهديدات»!

إن مفهوم النواب المستقلين السائد غير دقيق، إذ إنهم في الحقيقة كتل وأحزاب سياسية ناشئة لا تنتمي إلى الإطار التنسيقي ولا إلى التيار الصدري، وهو ما أكدته الاصطفافات الأخيرة بين من قاطع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ومن حضرها ممن لُبيت شروطه الـ17، كـ«تحالف من أجل الشعب» المكون من حركة امتداد والجيل الجديد، واقعياً لا يتجاوز عدد النواب المستقلين الأفراد الـ20 نائباً.

المؤتمر الصحفي الذي أجراه حسن العذاري رئيس الكتلة الصدرية النيابية في الـ23 من آذار الجاري، معلناً عن «تحالف إنقاذ وطن» الأكثر عدداً، المكون من التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، و«تحالف السيادة» برئاسة رئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، وإعلانه عن أن «مرشحنا لرئاسة الجمهورية هو ريبر أحمد، فيما سيكون مرشح التحالف لمنصب رئيس الوزراء هو محمد جعفر محمد باقر الصدر»، كان بمثابة الإعلان عن أن كل أبواب الحوار مع الآخرين قد أغلقت.

القوى السياسية العراقية بعد المؤتمر الصحفي وصلت إلى الخيار «صفر»، حيث لم يعد يلوح في الأفق أي إمكانية لحل وسط، غير التوجه إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وحسمها بلغة الأرقام، خلافاً لما جرت عليه العادة منذ بداية العملية السياسية باحتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، فالانسداد السياسي المتحكم في المشهد، أظهر تخبطاً واضحاً في التحالفات، لغياب الثقة بين مكونات العملية السياسية، تاركين الأمر لما ستفضي عنه نتائج جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الـ26 من آذار الجاري في المجلس النيابي، وبعد 4 ساعات تأخير عن الموعد المقرر لها، أخفقت في تحقيق النصاب المطلوب، لإنجاز الاستحقاق الدستوري بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وهو حضور 220 نائباً، إذ لم يتمكن «تحالف إنقاذ وطن» إلا من تأمين حضور 202 نائب دخلوا إلى قاعة المجلس، بمقابل مقاطعة نواب الإطار التنسيقي، والاتحاد الوطني الكردستاني، وتحالف عزم السنّي، وإشراقة كانون، وكتلة صوت المستقلين، وجماعة العدل الكردستانية، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، إضافة إلى النائب المستقل باسم خشان، الذين بلغ عددهم 126 نائباً، تجمعوا في منزل رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، مكلفين النائب أحمد الأسدي رئيس «كتلة السند الوطني» بتسليم رئاسة المجلس وثيقة موقعة بأسماء النواب المقاطعين للجلسة، ليضطر بعدها رئيس المجلس إلى تأجيل الجلسة إلى الـ30 من آذار 2022، عائداً بالأمور إلى مربعها الأول.

ومع استعراض التيار الصدري أعدادهم داخل المجلس النيابي وهم يرتدون «الأكفان» للمرة الثانية بعد ارتدائها أول مرة في الجلسة الافتتاحية للمجلس في الـ9 من كانون الثاني 2022، فإن معركة الخروج مِن مستنقع «التوافق»، حيث الجميع في السلطة، والجميع في المعارضة باستخدام سلاح الثلث المعطّل أو الضامن، إلى معركة فرض الإرادات والاستفراد بحكم «الأغلبية»، ستستمر، وقد تؤدي بالنهاية إلى حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، ما لم يتفاهم المتصارعون على أهمية إنقاذ العراق من الحالة «صفر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن