من دفتر الوطن

صناعةُ التفاهة

| فراس عزيز ديب

في العالمِ الرقمي، كان هذا العنوان حِكراً على المحتوى الذي يقدمهُ من يسمونَهم «يوتيوبر»، حيث إن ما تقدمهُ الأغلبية منهم يبدو معهُ وصف التفاهة مخفَّفَاً، لكن في الحقيقة تبدو الكثير من البرامِج بما فيها السياسية أو الكوميدية أكثر تفاهةً مما سبق، فالفنان المصري «عصام كاريكا» مثلاً اعترف قبل فترة بأن برنامج المقالب الشهير الذي يقدمهُ الفنان «رامز جلال» هو عبارة عن تمثيل، وأنه شاركَ بأكثر من حلقةٍ وكان يعرف أن هناكَ مقلباً لكن كانَ عليهِ التصرفَ بشكلٍ طبيعي.

يدرِك الجميع أن هوليوود هي الذراع الإعلامية الأوثق للسياسات الأميركية، هل لنا أن نُعدِّد الأفلام التي كانت بشكلٍ أو آخر تسويغاً لما قامت وتقوم بهِ الولايات المتحدة من جرائم؟ هذهِ الوظيفة يبدو وكأنَّها فتحت فرعاً لتعويمِ التفاهة بصناعةِ الحدث، حتى لو كانَ الحدث تافهاً لكنَّ تحوله إلى «تريند» يجعلهُ يطرق كل باب من دون استئذان لدرجةٍ باتَت فيها شخصيات فنية تسعى لهذا السبق أيَّاً كان المحتوى.

قبلَ أيام انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديثِ عن الصفعة التي تلقاها مقدِّم حفل الأوسكار «كريس روك» من الممثل «ويل سميث»، الحدث كانَ استثنائياً، لكن ما حُكي فيما بعد عن ربطهِ بانتصار سميث لأُنثاه التي لم يتحمل انزعاجها من السخرية التي طالت شكلها فعاقب مقدم الحفل، جعل حالنا تشبهُ المثل الشعبي القائل «وصل البلّ لذقنا»! حيثُ تحول العالم الرقمي إلى سوقِ عكاظٍ تتغنى فيهِ بعضهنَّ بـ«رجولة» سميث ويصبّنَّ جامَ غضبهنَّ على المجتمع الذي لا يعرف الرومانسية، وطبعاً كان لصفة «الشرقية» التي يراها البعض تُهمة وأراها شرفاً، النصيبَ الأكبر من هذا الهجوم.

مع انتشار السيرة الذاتية لحاملِ لواء الرومانسية بنظرهنَّ وعلاقته بزوجته التي كانت أساساً قد خانتهُ مع شابٍ بعمرِ ولدهِ وبنَت معه علاقة حميمية لكن فارس الرومانسية بنظرهنَّ سامحها، قام البعض بمسحِ موشحات الشعر التي كتبوها عندما أدركوا أن الرجولة ليست مقطعاً تمثيلياً نعيشهُ، لكنَّ البعض الآخر استمرَ في غيِّه، تحديداً اللواتي يحسبنَ أنفسهنَّ على العالمِ المتحضر ووجودهن في هذا الشرقِ لا يتعدى الخطأ في إعدادات الخلق، فواصلوا الهجوم معتبرينَ أن العلاقة التي تُبنى على درجةٍ كهذه من التسامح هي الأساس ببناءِ العلاقات السليمة!

هنا نصِل حرفياً لفكرةِ «صناعة التفاهة»، التي ينجح الغرب باستثمارها بطريقةٍ سهلة وعبرَ مشهدٍ تمثيلي، عندما تعُمّ هذه التفاهة عليكَ ألا تصمت ولا أن تقول: دع مركبَهم ومركبهنَّ يغرق أكثر فتعريتهم وتعريتهنَّ واجبة أكثر من ذلك، لأننا في هذا الشرق البائس ويا للأسف قدرنا أن نقعَ بين من يريد إعادتنا إلى عصرِ أبي جهل أو ذاكَ الذي يرى بقمامةِ الغرب حبلاً للنجاة! ولعلّي سأفيدهم وأفيدهنَّ فائدةً طالما أن التفاهة تخترق قيمهم وقيمهنَّ إلى هذا الحد بدواعي الإنسانية:

«جليندون كرين» زوج ممثلة الأفلام الإباحية «ستورمي دانيلز» طلبَ الانفصال عن زوجتهِ يوماً بسبب أدلة يمتلكها عن خيانتها له! تباً لهُ لم يمتلِك حس التسامح ولم يتعاطَ معها برومانسية، رغم «رجولتهِ» بفصل عملها عن علاقتها بهِ، هيا هلّموا وتوازَعوا التعاطف بينهما فصناعة كهذه للتفاهة هي أحوج ما تكون لتعاطفِ.. أمثالِكم وأمثالكنَّ!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن