قضايا وآراء

تساؤلات إسرائيلية تشكك بالقدرة على البقاء

| تحسين الحلبي

يثبت سجل المقاومة الفلسطينية والعربية ضد الاستعمار والاحتلال الاستيطاني، منذ ثلاثينيات القرن العشرين، أنها أقدم مقاومة لشعب ضد أشرس الإمبراطوريات البريطانية الاستعمارية التي تجرأت حكوماتها على إخراج شعب من وطنه التاريخي بعد احتلاله وتكديس مستوطنين أوروبيين من يهود العالم فيه لتغيير هويته الوطنية وتاريخه وتحويل شعبه إلى لاجئين فرضت توزيعهم على عدد من الدول المجاورة.

فالمقاومة الفلسطينية لم تتوقف ضد الاحتلال خلال كل مراحل تاريخ وتطورات هذه المنطقة والعالم، وشارك فيها وأدارها أربعة أجيال متواصلة وأصبح عدد أفراد الشعب الفلسطيني الآن يزيد على 15 مليوناً نصفهم في داخل الأراضي المحتلة والنصف الآخر خارجها، وهذا يعني أن معارك المقاومة بأشكالها المختلفة مستمرة يتوارث مهامها الجميع ولن تتوقف إلا حين تنجز أهدافها.

وبعد كل هذه العقود من الصراع والمقاومة بدأ المستوطنون والقيادة الإسرائيلية يبدون تساؤلات عديدة حول مستقبل كيانهم ووجودهم وهم الذين جاء معظمهم من أوروبا ولم يتخلوا عن تقاليدهم ولغاتهم الأوروبية، ولم يتمكنوا من فرض هويتهم «اليهودية» بين بعضهم بعضاً ولا فوق جميع الأراضي المحتلة.

وبرغم كل ما ارتكبوه من قتل وجرائم ضد الإنسانية بحق أربعة أجيال من الشعب الفلسطيني، لم يسلّم الشعب الفلسطيني بالمقابل بكل نتائج احتلالهم.

ومن هذه التساؤلات التي يطرحها المستوطنون أثناء تبادلهم للآراء في وسائل التواصل الاجتماعي ومراكز الأبحاث والدراسات:

1- إن استراتيجية إسرائيل بإخراج مصر بصفتها أكبر دولة عربية من الصراع عام 1979، لم يحقق شعار إسرائيل بأن المقاومة ستنتهي ولن تتعرض لأي حرب أخرى، بل إن المقاومة هزمت إسرائيل بعد اجتياحها للبنان عام 1982 وبقيت سورية جبهة مقاومة مركزية داخل لبنان وعبر حدود الجولان تتصدى لكل أشكال العدوان وتقدم كل أشكال الدعم للمقاومة وتشكلت قوة إيران بعد الثورة الإسلامية لتصبح أحد الأطراف الداعمة للمقاومة.

2- عقدت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 اتفاقات أوسلو، واعتبرتها إسرائيل، مع ما رافقها من تنازلات، على أنه زوال كلي للمقاومة من الخارج ومن الداخل، ولكن في النهاية كانت النتيجة هو تصاعد المقاومة وانتصارها في قطاع غزة وإجبار قوات الاحتلال على الانسحاب من دون قيد أو شرط لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني وعلى نزع 22 مستوطنة إضافة إلى المستوطنين من القطاع نهائياً.

3- أعتقد الإسرائيليون أن اتفاقات التطبيع التي وقعتها بعض الدول العربية قبل ثلاثة أعوام أنها ستؤدي إلى طمأنة المستوطنين، لكن النتيجة ظهرت على عكس ذلك تماماً حين حققت المقاومة في الأراضي المحتلة انتصار معركة «سيف القدس»، وتساقطت الصواريخ على المستوطنات، وتكثفت المقاومة في مدينة القدس وعندها أدرك الإسرائيليون أن الأرض تهتز تحت أقدامهم، وبدؤوا يستنتجون أن كل وجودهم أينما كانوا في داخل فلسطين المحتلة ستظل المقاومة تلاحقهم فيه من دون توقف ومن دون قدرة جيش الاحتلال على تأمين حماية أمنهم الشخصي حتى في شوارع المدن وحدود المستوطنات.

4- يعترف الإسرائيليون بأن الحدود الشمالية الممتدة من الجولان المحتل إلى جنوب لبنان، تزداد أخطارها يوماً تلو الآخر، على وجودهــم من دون أن يجــدوا حــلاً للتخلص من هذه الأخطــار.

وعند قراءة ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية بالعبرية وما يتبادله المستوطنون من تعليقات في وسائل الاتصال الاجتماعي تظهر آراء تعد انخفاض نسبة الهجرة إلى الكيان الإسرائيلي إلى أدنى حدودها، وتزايد نسبة الهجرة العكسية من أهم الأسباب التي تدفع الإسرائيليين إلى الشعور بعدم تحمل الكثيرين منهم البقاء تحت أخطار لم تتمكن قوات الاحتلال من إيجاد الحلول الحاسمة لها، وهذا ما يدفعهم إلى التسليم بأن «اليهودي الآمن» هو الذي يعيش خارج الكيان الإسرائيلي لأن هذا الكيان لم تمر فيه سنة واحدة من دون صراع مع الفلسطينيين في الداخل ومع الجوار في الخارج لأن شعوب المنطقة ترفض التسليم بوجودهم فوق فلسطين، وهذا ما أدركه المستوطنون البيض في جنوب إفريقيا وزيمبابوي بعد صراعهم مع أصحاب الوطن حين وجدوا أنهم محاطون بأعداء من كل الشعوب الإفريقية المحيطة بهم فغادروا مهزومين من دون عودة، ولا شك أن وجود 15 مليوناً من الفلسطينيين المتمسكين بحقوقهم في الداخل والخارج ضد ستة ملايين ونصف مليون مستوطن يحتلون وطنهم ومن حولهم شعوب شقيقة تقف إلى جانبهم، يشكل ميزان قوى سيفرض النتيجة نفسها التي أجبر المستوطنون في إفريقيا على دفع ثمنها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن