تعدّ نقابة الفنانين من النقابات المؤثرة والفاعلة، وقد أثارت العلاقة ما بين النقابة والفنانين إشكالات عديدة في مراحل سابقة من نقابة الراحلين صباح عبيد وزهير رمضان، وقد أخذت هذه الإشكالات مظاهر عديدة، كلها كانت بزوايا حادة تجاه النقابة، وتجاه الفنانين على السواء.. ومع رحيل النقيب السابق جرت انتخابات جديدة تم من خلالها تشكيل مجلس النقابة، وتمخضت الانتخابات عن انتخاب النقيب الفنان محسن غازي، وهو نقابي قديم، وعلى دراية بالنقابة ومشكلاتها.. وفي التصريحات الأولى، والتعاملات الأولى ظهر أن النقابة تريد تعاملاً آخر مع الفنانين الذين ينتمون إلى النقابة، ويشكلون جسدها وعمودها الفقري.. وفي بادرة تحمل الكثير من الاحترام والدبلوماسية والسياسة والمهنية عمدت النقابة في بادرة مشكورة إلى تكريم الفنان الكبير دريد لحام، وقد كان نقيباً أول لهذه النقابة المهمة، وهو قيمة فنية وإنسانية كبيرة، ولها احترامها عند الفنانين لطول مسيرته ومعرفته، وكانت باستضافته في اجتماع من اجتماعات مجلس النقابة الأولى بعد تشكيله، وفي صورة لافتة من التقدير واختلاف الرؤى كانت النقابة ممثلة بنقيبها المنتخب محسن غازي في استقبال لائق للفنان الكبير من لحظة وصوله إلى أمام النقابة إلى وداعه.
دريد لحام شكر النقابة والنقيب، وحضر الاجتماع ليقدم كلمة من خلال منبر النقابة الرسمي، وليس من خلال وسيلة إعلامية أو حوار في مكان ما، قدّم رؤيته للعلاقة بين النقابة والفنانين هذه العلاقة القائمة على الحب، وأزعم أن رسالة النقابة ونقيبها جاءت على لسان الفنان الكبير دريد لحام الذي حضر الاجتماع تكريماً له ولمسيرته، ولأنه يمثل اليوم القامة الفنية الكبيرة، وبمنزلة الأب الروحي للفن السوري على المستوى العربي.. وهذه الرسالة هي الحب.
لذلك شكر النقابة والنقيب لهذه البادرة، وأشار إلى أنه لن يصبح أكثر طولاً وإنما أصبح كبيراً بالحب، ومن اللحظة الأولى رأيت في هذه الاستضافة وفي هذا التكريم نجاحاً للنقابة ومجلسها في الوصول إلى ما يمكن أن يعيد للنقابة دورها الحقيقي وبهاءها.. وفاجأني ما تمّ تناوله عبر مواقع التواصل من احتفاء بعودة الفنان الكبير للنقابة، وبعضهم صوره على أنه عودة رسمية، طبعاً هذا غير ممكن لأن السن لا تسمح، ولأن النقابة ومجلسها نتيجة عملية انتخابية، والأكثر أهمية هو أن هذا اللقاء هو بادرة من النقابة، لم يسبقها مجلس آخر سابق إلى أن يقوم بها، بادرة حب وتقدير للقامات والرسالة التي تريد النقابة أن تقدمها بلا مواربة.. إنها بادرة الحب لسورية وللفنان السوري الذي لا يمثل اختلافه ورأيه الفكري مشكلة ما دام الحب لسورية، والرسالة هي الفن العظيم القائم على الحب.
رسالة النقابة كما فهمتها هي دعوة لكل الفنانين للعودة إلى النقابة التي تحرص عليهم وعلى مصالحهم، وهي معنية بهم وبأمورهم، وهذه الرسالة اختير أن تقدّم من خلال تكريم الفنان الكبير دريد لحام، ولعلّ التفسير الخاطئ كان ناشئاً عن عقد اجتماع، وعدم الاقتصار على التكريم،و في هذا نقطة أخرى لمصلحة مجلس النقابة الذي أراد أن يعلن عن رؤيته الجديدة، وعن حبه واحترامه للفن ودوره..
وفي هذه المناسبة نبارك مرة جديدة لمجلس النقابة انتخابه، وللفنان محسن غازي نقيباً للفنانين له رؤيته، وله برنامج عمل واضح يقوم على تنفيذه حباً بالفن وسورية، وما قام به.
من خلال تكريم الكبير دريد لحام يظهر أنه النقيب القادر على إجراء تغييرات جوهرية في البيئة الفنية، لخلق بيئة نقابية قادرة على إعادة توطين الفن السوري بكل أطيافه وطاقاته من خلال فنانين وفنيين ومخرجين.. فالفن السوري الدرامي والموسيقي وصل مرحلة متقدمة وجاءت الحرب على سورية لتمزق هذا النسيج الفني الجماعي الجميل، وآن الأوان لمراجعة بسيطة لكنها تحتاج إلى الحب والمبادرة.. وأظن أن النقيب غازي ومجلس النقابة بدؤوا تنفيذ مشروع نقابي لإعادة الحب والهيبة لهذه النقابة الفاعلة دوماً والقادرة على تقديم الصورة الأرقى لمظلة الحب.
مبادرة أولى قدّمت هذا الكمّ من الحب، وأظن أن القادم سيكون برنامجاً كاملاً يحمله المجلس في جعبته لتنير سورية بنجومها، والنقابة بفنانيها المحبين، فشكراً لهذا الوجه الجديد والراقي لمجلس النقابة.. وللفن السوري.