«تدمر في عيون روسية» … مشروع ترميم نبع أفقا التاريخي بمشاركة علماء الأثار الروس في سورية
| مايا سلامي- تصوير طارق السعدوني
تحت رعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع المركز الثقافي الروسي بدمشق أقيمت محاضرة ومعرض بعنوان «تدمر في عيون روسية» وقد شارك فيها علماء الآثار الروس الموجودون في سورية وذلك في مكتبة الأسد في دمشق.
ركزت المحاضرة على مشروع ترميم نبع أفقا التاريخي في مدينة تدمر الذي تم إنجازه وافتتاحه في شهر شباط الماضي بالتعاون بين الجانبين الروسي والسوري، وتخلل الندوة عرض فيلم وثائقي قصير تحدث عن عراقة وتاريخ مدينة تدمر وما تعرضت له من تدمير وتخريب على يد الإرهاب إضافة إلى توثيق مراحل ترميم نبع أفقا لإعادة الحياة إلى واحة تدمر.
كما تضمنت الفعالية معرضاً لـ43 صورة ضوئية التقطتها الفنانة الروسية أليونا زايتسيفا التي رافقت البعثة الروسية منذ انطلاق نشاطها ووثقت أبرز الآثار التي نجت من يد الإرهاب وصورت المراحل الأولى من ترميم نبع أفقا وصولاً إلى يوم افتتاحه.
أهم المعالم التاريخية
المحاضرة ألقاها رئيس الفيلق الاستكشافي التطوعي الروسي وأستاذ التاريخ في جامعة سانت بطرسبورغ الدكتور تيمور كارموف، وقال فيها: « لقد أمتد المشروع من 21 كانون الأول إلى 22 شباط الماضي وقمنا بهذا المشروع تحت رعاية ومشاركة فعالة من قبل وزارة الثقافة السورية والمديرية العامة للآثار والمتاحف، وتكمن أهمية هذا المشروع في إعادة المياه والحياة إلى واحة تدمر، إضافة إلى أهميته التاريخية والثقافية والحضارية».
وأشار إلى وجود مشاركة واسعة في هذا المشروع لخبراء سوريين وخبراء روس قدموا من مؤسسات علمية وبحثية من عدة مدن روسية، موسكو وسانت بطرسبورغ، رستوف، ونالتشيك.
وأكد أن المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية هي التي قامت بتخطيط المشروع وتحديد الأهداف والأغراض وبعد ذلك تم الاتفاق مع الجانب الروسي على إنجازه.
وفي حديثه عن تاريخ نبع أفقا بين كارموف: «حسب المعلومات التي تم جمعها من بعثات مختلفة ومنها البعثة الإيطالية تبين أنه تم استخدام هذا النبع من قبل الإنسان منذ العهد الحجري، وهذا النبع يوجد في الجزء الغربي من مدينة تدمر ويجري الماء إليه من كهف موجود في الجبال على عمق 400 متر».
وأضاف: «جميع السجلات الوثائقية التي تدل على وجود نبع أفقا تعود إلى تاريخ قديم جداً والبعثات الأجنبية سجلت وجوده لأول مرة في عام 1691م وفي كل السجلات الواردة حتى الآن اعتبر هذا النبع أساس الحياة في واحة تدمر».
وأوضح أنه في عام 2005 جف النبع وتوقف الماء الوارد من الجبال، تبع ذلك بعد عدة سنوات احتلال المدينة بأيدي الإرهابيين الذين دمروا الجدار بمحيطه ما أدى إلى تراكم الأحجار والأوساخ في النبع.
ولفت إلى أن البعثة الروسية السورية المشتركة قامت بأعمال إضافية حيث تم بحث ودراسة طرق تزويد مدينة تدمر حالياً بالمياه من خلال الينابيع الموجودة حول المدينة في الجانب الغربي والتي زودت المدينة القديمة بالمياه النظيفة الصالحة للشرب، وأن المساحة الكاملة لهذه المنطقة التي تم اكتشافها تقدر ب624ـ هكتاراً وطول الحوض 11.5 كم.
وكشف أنه ضمن هذا المشروع تم تنظيم عدة زيارات للطلبة والجالية الروسية وأن نحو 200 شخص زاروا هذا المكان وتعلموا عن تاريخ تدمر بصورة كاملة.
وفي تصريح لـ«الوطن» قال تيمور كارموف: «من المهم جداً لروسيا المشاركة في مشاريع تخص التراث السوري وخاصة تدمر التي تعتبر من أهم المعالم التاريخية في سورية ليس فقط لكونها ضمن سجل التراث العالمي بل هي مهمة لروسيا ككل ومشاركة في تاريخها منذ القرن التاسع عشر وسيقام فيها مشاريع أخرى كترميم قوس النصر وإعادة إعمار مسرح تدمر وكل ذلك سيكون بالتعاون بين الجانبين الروسي والسوري».
ثمرة التعاون
وبيّنت معاون وزيرة الثقافة الأستاذة سناء الشوا، قائلة: «نحن اليوم نتحدث عن حصيلة وثمرة التعاون بين الجانبين الروسي والسوري الذي نتج عنه إعادة تدفق المياه في نبع أفقا هذه المياه التي تروي واحة تدمر وعودة المياه إليها مقدمة لعودة الحياة إلى كامل المدينة، وما يميز هذا المشروع أنه نفذ بأيدي السكان المحليين تحت إدارة الجانب الروسي والسوري».
وأضافت: «التعاون في هذا المشروع ليس الأول ولن يكون الأخير فهناك مشاريع أخرى يتم العمل عليها، إضافة إلى التعاون أيضاً في الجانب الفني فنحن نحاول أن يتم استثمار ومتابعة وإغناء مشاريعنا من خلال توظيف هذه العلاقة والصداقة والجذور التاريخية بين البلدين لتثمر بهذه الإنجازات التي ترونها اليوم».
الحفاظ على التراث
أما مدير المركز الثقافي الروسي نيكولاي سوخوف فبين أن: « هذه البعثة كانت مشتركة لأنها تضمنت خبراء روساً وسوريين الذين عملوا معاً على إعادة ترميم وإنعاش الآثار السورية القديمة وكان هدفها الحفاظ على التراث العالمي، ويعتبر هذا المشروع الأول لإعادة ترميم نبع أفقا حيث تم استجلاب المياه إلى الواحة ومزارع التمر وهو الأمر الذي يعيد الحياة الزراعية إلى المنطقة».
وعن إمكانية وجود مشاريع أخرى في مناطق أثرية مختلفة قال سوخوف: «هذه المجموعة من الخبراء الروس متركزة في تدمر لأن عددهم قليل وهم يعملون في مشروع آخر هناك إذ يوجد نبع آخر للمياه الصالحة للشرب وهم سوف يعملون على تزويد المدينة بالمياه الصالحة للشرب لأن مياه نبع أفقا معدنية درجة حرارتها فوق 32 وبالتالي هي غير صالحة للشرب وتستخدم فقط في الأعمال الزراعية».
حضارة عريقة
وأوضحت أليونا زايتسيفا قائلة: «أعرف سورية منذ كنت طالبة في الصف الخامس في المدرسة حيث تلقينا دروساً في التاريخ السوري وأتيت إلى سورية وأحببت التعمق أكثر في هذه الحضارة العريقة، وقدمت في عام 2011 أي منذ بداية الحرب وكان كل اهتمامي أن تتحرر تدمر لكي أتمكن من زيارتها وعندما سمحت لي الفرصة أخذت كاميرتي وتوجهت إلى تدمر برفقة هذه البعثة والتقطت هناك مئات الصور التي اختير بعضها لهذا المعرض».
رمز المواقع الأثرية
كما كشف معاون المدير العام للآثار والمتاحف همام سعد أن: «المشروع الذي قام به الجانبان الروسي والسوري والذي يتميز بإعادة إحياء نبع أفقا التدمري الذي قدم الحياة لمدينة تدمر منذ نشأتها ولاسيما خلال العصر الروماني فنحن نعلم من خلال النصوص والمصادر التاريخية بأن تدمر تدين بوجودها إلى هذا النبع وأن وعودته تساعد سكان تدمر على العودة إلى المدينة».
وأضاف: « قبل الحرب على سورية كان هناك ما يزيد على عشر بعثات أثرية تعمل في هذه المدينة من ألمانيا وفرنسا واليابان وغير ذلك ما أدى إلى نهضة من حيث إعادة التأهيل وأصبحت تدمر هي الرمز للمواقع الأثرية على صعيد سورية والمنطقة ككل، إلا أنه بعد عام 2011 انقطع التواصل مع أغلب هذه البعثات إضافة إلى المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث الثقافي التي بسبب مواقفها السياسية امتنعت عن تقديم المساعدات التي طلبتها المديرية العامة للآثار لإعادة إحياء هذا التراث إلا أن المديرية قامت بواجبها وانطلقت بمجموعة من المشاريع وكان أولها هذا المشروع».
نبع مقدّس
أما مدير متحف تدمر خليل الحريري فأشار إلى أن «نبع أفقا نبع كبريتي مقدس عمره آلاف السنين وهو بداية تأسيس الحضارة التدمرية وكانت توجد آلهة يقدسونها، هناك الإله بلحمون والإله يرحبول هما آلهة النبع، إضافة إلى التقديس الذي كان يقوم من كبير الآلهة «بل» يوم العيد السنوي (يوم الطيب) في 6 نيسان، لذلك أهمية هذا النبع كبيرة لأن كلمة أفقا معناها البداية أو النبع باللغة الآرامية التدمرية القديمة وبدأت الحضارة تمتد من نبع أفقا من 6500 قبل الميلاد باتجاه معبد بل ثم توسعت مدينة تدمر».