شؤون محلية

الغلاء في القطاعين والحل المنشود

| ميشيل خياط

لم يعد الغلاء وقفاً على أسعار وأجور خدمات القطاع الخاص في سورية، فمنذ وقت غير طويل، دخل القطاع العام حلبة المنافسة على مبدأ «ما حدا أحسن من حدا»، ليفقد نسبياً دوره الاجتماعي، في سياق تنافس مع الخطأ.

منذ بداية السبعينيات، خلصت جامعة ليبزغ في ألمانيا الديمقراطية -آنذاك- إلى الفهم النظري التالي للصحافة، إذ جاء في مقدمة نظرية الأنواع الصحفية التي ابتكرتها: إن الصحافة ليست سجلاً للأحداث وحسب بل هي من أهم العوامل المساهمة في تغيير هذه الأحداث نحو الأفضل.

وإذ نلاحظ أن الجميع يشكون من الغلاء الفاحش، وغير المسبوق الآن في سورية، نعتقد أن الجميع يَرَوْن ويلاحظون ويلمسون وأن تكرار التصوير يأخذنا إلى الملل، وفِي رأينا أن الأهم الآن على هذا الصعيد، أن يتعاون جميع المفكرين والباحثين والإعلاميين، في البحث عن الحل المنشود إلى التخفيف من حدة هذا الغلاء الفاحش، إذا لم يكن متاحاً كبحه والقضاء عليه والوصول إلى رواتب وأجور موائمة للأسعار السائدة في الأسواق.

وبعد دراسة كل الحلول والإجراءات التي اتخذت خلال السنوات السابقة، ولاسيما بعد ارتفاع حدة التضخم المالي، وارتفاع سعر الدولار رسمياً إلى 2500 ليرة سورية، والفشل في الوصول إلى سوق موازية حقيقية على صعيدي الانتشار الأفقي، والسعر المغير لكثير من السلع والمحاصيل الأساسية التي ستؤخذ معياراً وستشكل أنموذجاً يحتذى، بعد ذلك كله بات الوضوح النظري لحل جذري للمشكلة المعيشية في سورية يكمن، في تمكين الحل المعروف منذ زمن بعيد والكامن في الوصول إلى رواتب وأجور، من أن يصبح ممكناً ومتاحاً.

طرح هذا الحل مراراً ووصل الأمر إلى تشكيل لجنة عليا للمواءمة تباعاً ما بين الرواتب والأسعار، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، بسبب قلة الموارد وشحها وعدم توافرها.

وفِي الحق، فإن الموارد موجودة، ولكن ما من أحد يسعى إليها، لأسباب ظلت تاريخياً مبهمة، واليوم وفِي زمن الحرب التي لا تزال مستعرة على سورية – عسكرياً واقتصادياً، تقلص دور الإنتاج والموارد الطبيعية، بسبب الاحتلالين التركي والأميركي لأخصب وأغنى الأراضي السورية، بالنفط والغاز، والقدرة على إنتاج القمح والقطن والشعير وتربية الأغنام.

ثمة مورد مهم جداً يمكنه حل جزء كبير جداً من المشكلة، اسمه استعادة التهرب الضريبي، وقد قدره وزير المالية مؤخراً بـ٢٠٠ مليون دولار، لقد قاربت الحكومة السورية الحالية هذا الموضوع، عندما أعلنت قبل عدة أشهر أنها بصدد الاهتمام بملف اقتصاد الظل، علماً أن هذا الاقتصاد يشكل، ٧٠ بالمئة من الاقتصاد السوري حالياً، وهو بمجمله، خارج التغطية الضريبية.

يقدر الدكتور هاني خوري في محاضرة عن دور الرواتب والأجور في ولاء العامل لمؤسسته، ألقاها مؤخراً في المركز الثقافي العربي بدمشق، أن الناتج المحلي الإجمالي السوري الآن هو ٣٥ مليار دولار، واستناداً إلى هذا الرقم، يمكن أن نستنتج حجم اقتصاد الظل، وحجم الضرائب التي يمكن الحصول عليها من هذا الاقتصاد سواء بالمتابعة أم التنظيم أو المشاركة.

وإذ يستخدم مردود هذا التهرب الضريبي وهو ضخم جداً في زيادة الرواتب والأجور دورياً مثلماً نصح أغلب الخبراء، نصل إلى وضع أفضل في مواجهة الغلاء مهما تعددت أسبابه، مع استمرار السعي إلى رقابة صارمة على الأسواق والتوسع في منافذ التدخل الإيجابي، وصولاً إلى منافذ خاصة بالشريحة الكبرى الفقيرة، صالات نوعية تختص بمواد أساسية، مقننة، تباع بأسعار مخفضة.

يجب ألا يعتد صاحب القرار الحكومي في زيادة الضرائب والرسوم وأسعار الخدمات، بكثرة المتهافتين على الشراء بأسعار مرتفعة وبالإقبال الكثيف على المطاعم والمقاهي والسلع الفاخرة، لإن نسبة هؤلاء لا تتجاوز ١٥ بالمئة من الشعب السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن