من دفتر الوطن

مسرحية لم تكتب بعد!

| عصام داري

منذ أيام وأنا أتابع التلفاز شاهدت حلقة من حلقات «مرايا» للفنان ياسر العظمة يشاركه البطولة الراحل حسن دكاك.

لم أعرف حسن دكاك كفنان ومتذوق للفن، بل عرفته عن قرب جداً فقد كان بطلاً للمسرحيات التي كتبتها والتي يتراوح عددها بين ثماني وعشر. لكن هذه المعرفة ليست سبباً لكتابة هذه الزاوية، بل هناك ما هو أبعد من ذلك.

ففي مسرحية عرضت في أواسط التسعينيات من القرن العشرين المنصرم كتبت مشهداً أعتبره من أهم المشاهد في كل مسرحياتي.

والقصة أنني كنت في منزل الفنانة غادة بشور التي تتشارك البطولة مع حسن دكاك عندما خطرت فكرة المشهد ذلك لأن غادة تملك كلباً وكلبة صغيرين لا أعرف نوعهما، فسألتها: هل تستطيعين السيطرة على الكلبين على خشبة المسرح؟

أجابت من دون تردد وبثقة مطلقة:نعم أستطيع. كان المخرج نبيل دياب موجوداً، فسألني بفضول المخرج: ماذا تريد أن تفعل؟

قلت له:تعرف أن شخصاً متنفذاً اصطدم منذ فترة مع فنان مشهور بسبب عدم معرفته بالغلاء في الأسواق فما كان من الفنان إلا أن صرخ بأعلى صوته:كيف يكون عندك علم وهناك من يجلب لك كل شيء على»الجاهز»وكيف تعلم بمعاناة الناس وكلبك يأكل كل يوم ثلاثة كيلوغرامات لحمة؟

والمشهد المسرحي يجسد رجل أعمال أو مسؤولاً تلقى دعوة لحضور عرس، فما كان منه إلا أن أعطى بطاقة الدعوة لمستخدم فقير الحال ومسكين يعمل عنده قائلاً: اذهب إلى الفرح نيابة عني ستأكل لقمة طيبة وترى عالماً جديداً لا تعرفه.

في أجواء الفرح سيسمع نتفاً من أحاديث المدعوين:

– قصة العريس تدر الدمع، فقد تم إنقاذه في اللحظات الأخيرة من الصومال عندما دخلت القوات الأميركية وقتلت ودمرت وحطمت.

-العروس أيضاً تم إنقاذها من سيراييفو على وقع العدوان الأميركي على يوغسلافيا!

هكذا ستدور الأحاديث والمستخدم يتابع بذهول حتى جاءت زفة العرسان فظهرت الكلبة والكلب بثياب العرسان الرسمية.

هنا تدخل المخرج: طيب.. وما دور حسن دكاك؟

يسأل راعية العرس:هل هذه العروس التي أنقذت من يوغسلافيا؟ فتجيبه بالإيجاب، وهل هذا الكلب ابن الكلب نجا من الموت من الصومال. فتجيب: نعم «ليش مو عاجبك.. هاد الكلب يأكل كل يوم ثلاثة كيلو غرامات لحمة.. وعشر بيضات.. وفواكه ومكسرات».

هنا يقف حسن دكاك على أربعة ويقول لها:دخيل ربك بتشغليني عندك كلب.. وينبح بأعلى صوته.

وضع المخرج يديه على رأسه وقال: مستحيل يفعلها حسن دكاك. فقلت له دعني أسأله ولكل حادث حديث.

في مساء ذلك اليوم وفي مسرح الخيام قلت لحسن دكاك: أبو أنس.. عندي مشهد أريدك أن تقوم به، فأقبل وهو مبتسم، فلما شرحت له أنه سيجثو على ركبتية وسينبح، هنا ذهل وتحولت الابتسامة إلى عبوس وقال لي بعتب:معقول يا أستاذ هيك؟

المهم شرحت له المشهد ففكر لحظة واحدة لا أكثر وقال:سأمثله حتماً وبشكل لن تتوقعه.

لكم أن تتصوروا كيف كانت صالة المسرح عندما وصل صوت حسن دكاك للآفاق كأنه يصرخ باسم الناس في وجه من ظلم الناس.

ترى اليوم كم عدد الكلاب في بلدي التي تأكل اللحم في حين يحرم المواطن من البرغل والفلافل والجبنة والزيتونة؟ إنه سؤال بريء من مسرحية لم تكتب بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن