إنّه الشّعر وعظمة قوافيه
يبدو حكايةً مكتوبة بحبر الوقت الإبداعيّ، بحبر القوافي وبسرِّ بلاغة اللّغة وفلسفتها المتعدّدة الجمال الوصفي والتوصيفيّ بما يجعل تلك الأقلام تكتبُ وجده، وتنثر ما بقي من قمحٍ بليغ اللغة، سنبله تشبه أوزاناً تبحثُ عن لغات الانتماء. وتؤكد دور الشّعر ومنجزه الجماليّ، على عظيم رسائله على مرِّ العصور..
حيث تسمو في تجلّيات النطق الشعريٍّ وعظمة قوافيه التي ينطقُ بها قول كلّ شاعرٍ.
حيث يتمُ الاهتداء إلى «لغته الجماليّة» التي تعرفنا وتحاول أن تقترب منا ونقتربُ منها.
نقتربُ من قوافي قد تترجم ما تريد أن تقوله أرواحنا من لغاتٍ قد يجملها «البوح الشّعريّ» وقول هذا الشاعر أو ذاك الذي يرسم لنا طريق الإبداع الحقيقي، ويلوّن بعض تفاصيل رسمه، ويصوغُ لنا شعراً ينتمي إلينا، وننتمي إليه في تجلّيات الاسم الشعريٍّ وبالتالي يصوغُ صوت لغتنا «لغة أرواحنا» ويُشكّل علامات الأمر الشعريّ وجوازم أمره، كما يُشكّل علامات الانتباه التي تدور في مدارات وقته المُقفى، وقته المزركش أوزاناً حالمات المعنى، حالمات المدّ اللغويّ والأدبيّ.
كلّ يجعلنا نستقرئ ماهيّة الجمال الشعريّ ونرى ذلك المدّ المتجذّر في أعماق كلّ قصيدة، وفي قزحيّة كلّ بيتٍ شعريّ قد تنتمي إليه جوارحنا وذواتنا الناطقة شعراً ربّما والسائرة على دروبٍ شعرية، قد تُصاغً منها «قوافي الجمال» إن تكلمت في رجاء القول، تكلمت أوزانها في بهاء القول الشعريّ.. وتسامى كلامها الشعريّ وفحواه المرتجى، تسامى قولاً وفعلاً يُرتجى في بدءِ النطق الشعريّ والبلاغيّ وكل ما يلحقُ بهما.. تجلى في منطوق الجمال الشعريّ وقوافيه المكتوبة بشيءٍ من بلاغة القول، بلاغة الشيء الذي يُنثر قمحه اللّغويّ يُنثر وكأنه بلاغة المأمول شعراً، المأمول حكايةً قمريةً المعنى واللفظ في آن معاً.
وهنا نستقرئ «أبجديةً من شعرِ» مطرّزة الانتماء تقاربها جوازم الروح، وتقترب منها، تقترب من مُتمّمات البوح بها، مُتمّمات التناثر ضمن أفق عوالمها الممتدة، إلى أزمنة الوقت الشعري، أزمنة الشيء المُعطّر بوحاً، المُعطّر وجدانيات تُضيء ثنايا الروح وبعض المداد الممتد إليها في أفقية الكلمة، وبعض تجليات حروفها المُصاغة في أفقية المدّ الشعري حيث تسمو أوقاتنا بذاك النبض والنداء الشعريّ، نداء معانيه وصفاء القول والتغنّي بأجمل الأوزان الحالمات.
التغنّي بشيءٍ يمكن أن يًصنف ضمن فصاحة الكلام العذب، وكأس لحنه الشعري المُسترسل جمالاً، وصوراً إبداعية الوصف إبداعية الّلحن الموسيقيّ وبعض عناوينه، بعض حروفه المجرورة أصلاً وراء روعة الوصف الإبداعيّ وراء جمالية كل قصيدة وما يُبتغى أن يُصبّ في أبيات القصيدة، وبالتالي أن يصيغ أحقيّة البناء الشعري، المُصاغ من فيض المعنى والكلام المُقفّى، ومن فيض ما يُبتغى النطق به ما يُبتغى الانصباب حول شلّاله الكلامي، المزدهي لغوياً، المزدهي في عمق الإيثار الأدبيّ.
وهذا يجعل الاتجاه الشعري هو صدى حقيقيّ لمناداة الروح الإنسانية، مناداة شجونها وبعض أحوالها، ومُشتكى الوجد في تجليات نبلها الشعريّ المرتجى، ونُبل الحقيقة التي لا تلبث أن تقول: إن للشعر علامات نيّرة البريق الوجدانيّ، نيّرة الحال في بعضه، ومُتمّمات حاله الشعريّ المُستهدي إليه. وكأنه يرسم لما علم مضامين اللغة في بعض تفاصيلها، وفي أحقيّة ظرفها اللغويّ والأدبيّ الأجمل شأناً، والأصدق مقالاً.
والذي يسمو بتلك المعاني النابضة شعراً، والتي تُشكّل فحواها وبعض من محتواها، محتوى الشيء الأدبي التابع لها، والمتبوع أصلاً إلى جماليات محددة، تختص بها القولبة الشعريّة، أو ربما تختص بها القولبة الكلاميّة وتُهذّب محتواها الشعري.
وتصوغُ وميض الذائقة الأدبيّة والروح الشعريّة الإنسانية بما يؤكد أن للشعر حكاية أخرى تسمو بها «قوافي الجمال» وتجعلها تًحادث جمال الوجود بعظمة الشعر القويم والبليغ في آن معاً.