شموع لم تذب من أعلام مدينة اللاذقية … يرصد شخصيات كبيرة مرّت في تاريخ سورية وكانت مؤثرة
| إسماعيل مروة
ما بين التوثيق والتراجم والمهمة الوطنية والعلمية عمل الأستاذ سامر عوض في كتابه الجديد والجامع (شموع لم تذب- من أعلام مدينة اللاذقية) الكتاب الذي جمع فيه ووثق على 500 صفحة من القطع الكبير لعدد من الشخصيات العلمية التي مرّت في تاريخ مدينة اللاذقية، ورحلت عن دنيانا، لكنها لم تذب، وبقي أثرها واضحاً وجلياً في الحياة السورية الثقافية، بل في الحياة الحضارية، إذ تجاوز بعضهم المحيط المحلي والعربي بما قدّم من إسهامات فكرية وثقافية وأدبية وفنية.
الذاكرة الجمعية
من الذاكرة الجمعية خرج المبدعون، قدموا إسهاماتهم وغادروا، لينزرعوا في الذواكر الفردية، ا لتي إما أن تعمل على إهالة التراب عليهم، أو أن تعود في محاولة لإنعاش الذاكرة الجمعية للمجتمع كله، وهذا ما فعله الأستاذ سامر عوض في كتاب نحتاجه حقاً، خاصة بعيداً عن العاصمة والوسط الثقافي، وهو ما أشار إليه الأديب حسن. م يوسف بقوله: «هو خطوة أولى ينجزها الباحث سامر عوض لتسلط الضوء على ثلة مختارة من أعلام محافظة اللاذقية ممن كانت لهم إنجازات بارزة، ولعبوا أدواراً مهمة في صنع ذاكرتنا الوطنية» وهذا الرأي على وجازته إلا أنه يكشف الأهمية لهذا الكتاب وضرورته والفنان الصديق جهاد سعد ابن اللاذقية يستوقفه هذا الجهد الكبير فيخط له مقدمة مسرحية غاية في البراعة ليقول هو ذا سامر ينفض الغبار عن إرث عقلي، وحضاري تنويري، لأناس أعطوا الحرف الأوغاريتي الأول ولادة جديدة، ومعنى جديداً، خلال القرن العشرين وما قبله بقليل، من خلال دراسة جديرة بالاهتمام» والمؤلف سامر عوض يعرف قيمة ما قام به، لكنه يتقدم إلى قارئه بمقدمة تشرح منهجه ليختم بغايته «الهدف الأسمى لهذا السفر، أو بالأحرى الهدف غير المباشر، هو العمل لجمع الآثار الكاملة لسائر الأعلام الذين ورد شرح عنهم». قدّم غير المباشر لأنه عمل توثيقي هدفه الأول الحث على جمع أعمال هؤلاء المبدعين، والوقوف أمام منجزهم الفكري والثقافي بشكل يليق بهم وبالوسط الذي أنتجهم ليفاخر بما قدموه، ويمثل ما قدموه مدماكاً في المنجز الثقافي والحضاري والموسيقي فهل نفعل؟
شخصيات وتنوع
تتنوع الشخصيات التي يترجم لها سامر عوض ويوثق حياتها، وبكل مناحي التنوع، المكاني الجغرافي في محافظة اللاذقية، الإبداعي من أدب إلى موسيقا وتدريس وأكاديمية، من علوم حضارية إلى علوم مدنية، ومن مختلف الانتماءات:
محمد بن عبد الحميد اللاذقي منطق وموسيقا/ عبد الحميد المحمودي أدب وفقه/ غلياس صالح تاريخ وترجمة/ نصر الله طليع صحافة ولغة/ إدوار مرقص صحافة وترجمة/ خليل شيبوب شعر وقانون/ أمين سعيد صحافة وتاريخ/ محمد رشاد رويحة الشعر/ أمين رويحة طب وسياسة/ محمود عجان بحث وموسيقا/ جبرائيل سعادة موسيقا وفكر.
راؤول فيتالي موسيقا وفكر/ عبد الله عبر الأدب والقصة/ إلياس مرقص السياسة والفكر/ عبد اللطيف الصوفي مكتبات ومعلومات/ مسعود بوبو اللغة والبحث/ محمد علي شلا الأدب..
إضافة إلى الملاحق التي ترافق الكتاب، واستعراض هذه الأسماء حسب فصولها ليس إيجازاً للكتاب بقدر ما هي إظهار للتنوع الذي دفع إليه التوثيق، وكانت الغاية لملمة شعث هؤلاء الذين أغنوا الحياة الثقافية السورية عموماً، واللاذقية تحديداً بما قدموه من إنجازات على كل صعيد وفي كل فن، ويلاحظ أن عدداً من هؤلاء يعرفهم السوريون، وبعضهم قد يكون مفاجئاً لعدد من القراء عند الاطلاع على أنهم سوريون مثل إلياس مرقص المفكر المتنور الذي ذاع صيته على المستوى العربي، ومن هنا تأتي أهمية عمل الأستاذ سامر عورض بتأصيل هذه القامات والحديث عنها ضمن إطار علمي.
المنهج والتوثيق
قد يتبادر إلى أذهان كثيرين إنجاز كتب تكريمية لهذا البلد أو ذاك، أو لمنطقة أو لما شابه ذلك، وتبقى هذه الكتب التكريمية كتباً ذات طابع آني ليست تحمل تأثيراً أكثر من المناسبة، وعلى الرغم من عدم معرفتي بالكاتب، إلا أنني مذ حملت الكتاب وبدأت قراءته وجدت باحثاً علياً، يبذل جهداً مضاعفاً يأتي على جوانب عدة:
– جمع ما يتعلق بالجانب الحياتي لهؤلاء الأعلام، وقد يستعين بالأسرة والأصدقاء.
– توثيق جهوده في الجوانب التي تفوق فيها.
– وضع نماذج من أعمال هؤلاء الذين درسهم.
– إثبات شهادات في حقهم من الذين عاصروهم.
– الحرص على الببلوغرافيا التي تسعف الباحثين الذين يريدون الاستزادة.
وأزعم أن الكاتب لو أراد لأخرج كتباً عديدة بعدد هؤلاء الكتاب، وستكون هذه الكتب غنية ومهمة في المكتبة العربية والسورية تحديداً.. وقد عرفت ذلك من خلال استعراضي لعدد من الشخصيات التي أهتم بها وقرأتها مثل القاص المنسي عبد الله عبد، وأستاذي الذي تتلمذت عليه ورافقته في رحلات علمية الدكتور مسعود بوبو، والشاعر خليل شيبوب، والمفكر إلياس مرقص، وعجان وسعادة وجهودهما الموسيقية التي أرشفت ووثقت وأبدعت وعلمت وتجاوزت المحافظة، بل تجاوزت سورية في كثير من الحالات.
ومقياس سامر عوض في الشخصيات التي تناولها تخضع لمدى تأثيرها في الحياة الثقافية والعامة، إذ قل من لم يسمع بالعجان وسعادة في سورية، ووصول خليل شيبوب إلى القاهرة من دلائل أثره عربياً، ومسعود بوبو أثره الأكاديمي والإداري والتأليفي في اللغة بارز، ومن الصعب أن يتم إيجاز كتاب موسوعي بهذا الحجم واستخلاص ما فيه، ولكن يمكن أن تقف عند مشاهد منه لا شواهد تبرز أهمية الشخصيات وقيمة ما قدمه المؤلف.
الأدب والسوري المهاجر
أزعم أن من يعرف خليل شيبوب بين المتخصصين قليل، ومنذ سنوات قدّم الأستاذ الدكتور محمد رضوان الداية ديوانه الفجر الأول عن الهيئة السورية للكتاب- والكاتب لم يرق له هذا الإصدار وتعامل معه باستخفاف دون إظهار نقده التفصيلي له- وقد قرأته يومها، ولكن هذا الكتاب أزاح ستاراً مهماً عن حياة هذا الشاعر الذي لم يكن شاعراً هاوياً وعادياً، فتجلت أهميته في مناح عديدة:
– دراسته للقانون.
– انخراطه مع الوسط الأدبي في مصر.
– عمله الأدبي المنظم هناك، واعتراف المصريين بشاعريته ومكانته.
– يعد واحداً من طليعة التيار الرومانسي على المستوى العربي.
– تناوله بالدرس كبار النقاد العرب من مثل مندور.
الرحلة الأكاديمية الشاقة
أسعدني كثيراً أن يتناول الكتاب سيرة أستاذي الدكتور مسعود بوبو وجهوده في الأكاديمية والتأليف، وهو الذي تتلمذت على يديه في جامعة دمشق في الدراسات العليا، وغادرنا أبو وجد بغتة، ولم يحظ بما يستحق من تكريم ودراسة، وهو مثال مهم للأكاديمي الذي أخلص حياته للدراسة، وبذل جهوداً كبيرة، وكان من القريبين معشراً وحباً لزملائه وطلابه.. قدم الكاتب بعد السيرة الذاتية عرضاً لمؤلفات الدكتور بوبو، وغاب عن الكتب كتاب من أهم كتب الدكتور الراحل، ومن أكثرها عذوبة وتعبيراً عن شخصه وعلمه وفهمه، وهو كتاب (الصوت والصدى) الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وكنت أتمنى عرضه لتكتمل سلسلة أستاذنا الراحل، إذ قد لا تتهيأ فرصة أخرى لدراسته بهذا الاستيعاب.
وللفكر القومي سدنته
إلياس مرقص المفكر والباحث والمترجم المعروف على مستوى الوطن العربي، قدم المؤلف سيرته، وهو ابن اللاذقية الذي أراد نشر الفكر القومي، وكان وحدوياً، وأنجز أبحاثاً في هذا الجانب، ولاحظ أبناء جيلنا جهوده الطليعية والمقدرة في أبحاث محكمة وأعلى من ذلك، خاصة في مجلة الوحدة الثقيلة التي كانت تنشر أبحاثاً ذات قيمة، هذا بالإضافة إلى مؤلفات كثيرة وترجمات ويشير الكاتب إلى وجود مخطوطات كثيرة في التأليف والترجمة تحتاج إلى عناية لجمع آثار هذا الباحث الاستثنائي.
عبد الله عبدو القصّ
قد تكون مصادفة أن أول مجموعة قصصية قرأتها في حياتي كانت لعبد الله عبد (السيران ولعبة أولاد يعقوب) ثم حصلت على الأعمال الكاملة التي طبعت في بيروت فأحببت هذا القاص وتوجهاته، وكنت دائم السؤال عنه وعن يساريته التي جعلته بعيداً نوعاً ما، وفي هذا الكتاب يقدم المؤلف جهداً طيباً عن عبد الله عبد ورحلته وأعماله وقصصه، وأتذكر أنني عندما خططت لندوة عن عبد الله عبد في مكتبة الأسد بدمشق اعتذر كثيرون من المتخصصين عن المشاركة لأنهم لا يعرفون عبد الله عبد!! أذكر هذا لأبين قيمة جهد الكاتب سامر عوض في جمع هذه القامات وتوثيقها، فالزمن لا يرحم، ونحن غير قادرين على إحياء الذاكرة بلا كتاب.
كتاب (شموع لم تذب- من أعلام مدينة اللاذقية) لمؤلفه الأستاذ سامر عوض هو كتاب من الأهمية بمكان وجدير بكل مدينة ومحافظة أن تخصص لجاناً لإعداد الدراسات ا لعلمية المماثلة التي تليق بأبنائها، وحبذا لو سمحت الظروف والإمكانات للكاتب أن يستكمل الأعلام الآخرين في كل ميدان، وهو جدير بالتقدير لعلمه وأسلوبه وتوثيقه.