ثمة تعبير نادر لم يستخدم على نطاق واسع هو «الديمقراطية الإلكترونية». والفكرة بقدر ما هي بسيطة لكنها خطيرة ومهمة جداً. تشبه الديمقراطية الإلكترونية إلى حد كبير الديمقراطية في أول نشأتها ديمقراطية أثينا حيث يجتمع الناس في المسرح أو الساحة يتناقشون ويتبادلون الآراء يختلفون ثم يتفقون على قرار الأكثرية. مع فارق أنه في تلك الفترة 500 قبل الميلاد لم يكن للنساء ولا للعبيد حق إبداء الرأي أو التصويت.
الآن ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي يشبه إلى حد كبير ديمقراطية أثينا.. والمسرح أو الساحة التي كان يجتمع فيها الناس تشبه إلى حد كبيرة الفيس بوك أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعية.
أخطر ما في الموضوع أن العالم الإلكتروني معرض للعبث.. عبث فني وتقني ونلاحظ أن الهجمات الإلكترونية تطال مؤسسات مهمة جداً ورغم مالها من قدرات مالية وإمكانات تكنولوجية إلا أنها تتعرض للقرصنة والتهكير ولأنواع مختلفة من العبث في محتوياتها نقطة الضعف هذه خطيرة جداً وحتى الآن لم يستطع أحد أن يؤكد أن أمنه الإلكتروني مضمون.
الخطر الثاني أن العالم الافتراضي يعطي الحقوق متساوية للجميع فالبعض يتحدث في حقول لم تطأها عقولهم من قبل ويدون آراء بكل شيء سواء عن دراية أم غير ذلك.
ليست القصة في مساواة الأحمق والحكيم.. بل الأكثر أنه قد يحصل الأحمق على حقوق متابعة أكثر، كما تحظى الموضوعات السطحية على اهتمام أكثر من قضايا أكثر خطورة.
التركيز يكون على الجاذبية وليس الأهمية. وهو أمر له علاقة بطبائع البشر.
الخطر الثالث.. يتعلق بوجود إمكانية التأثير على سوق الفيس بوك وتوابعه من خلال حسابات وهمية ويتم التلاعب بهذا الموضوع بشكل ليس من السهل متابعته حتى في أهم الدول التي تمتلك قدرات تكنولوجية عالية.
أمر على الخطر الرابع مسرعاً.. فهو خارج إرادة الجميع ما عدا الشركات التي تمتلك وسائل التواصل الاجتماعي.. هذه الشركات هي التي تقرر تقييد الوصول لموضوعات معينة وحجب أفكار أو أشخاص أو أخبار بناء على توجهات سياسية بحته والكل يعرف ذلك فما لا ترضاه هذه الشركات لن يكون موجوداً وإن وجد فسيكون بالحدود الدنيا.
هذه المخاطر حاضرة الآن بقوة ولم تستطع الدول رغم محاولاتها الخجولة من أن تجد عالماً افتراضياً يصعب التلاعب به.
لكن إن أردنا أن يكون شكل مسرح أثينا مكاناً لاتخاذ القرارات فيمكن أن يتحول الفيس بوك وأصدقاؤه إلى برلمان إلكتروني..
ما هو الشكل الفني لهذا البرلمان وكيف يتم اختيار النواب؟
وكيف يمكن أن تعتمد أصواته أو الاستماع إلى الآراء من خلاله.. تبقى أمور تحتاج إلى خبرات تقنية وسياسية واجتماعية تستطيع أن تقوم تحدده.
لا أظن أن الأمر متاح بالوقت الحالي بشكل جدي، والآن الفيس بوك وإخوانه في غالب الأحيان للشكوى والسخرية والتعبير عن العواطف وكلها أمور على أهميتها لكنها لا تقدم فائدة تذكر.
لعل الأهم أن يكون للسوريين منصة سورية خالصة عندها يمكن التفكير فعلاً بإنشاء مجلس نوابإالكتروني.. هدفه بث أفكار جديدة للمشاركة في صناعة الحل.. والأهم الكف عن «النق». برلمان حلول يكون منبراً لعرض الأفكار وتبادل للآراء وليس لفشة الخلق والسخرية من كل شيء.
أقوال:
– كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها.
– الديمقراطية القائلة بالمساواة بين البشر بغض النظر عن مستواهم الفكري لا ينتج عنها سوى ثقافة جماهيرية منحلة.
– الشعب الذي يضع امتيازاته فوق مبادئه سرعان ما يفقد كليهما.