قضايا وآراء

عناد يفضي إلى «موت سريري»

| أحمد ضيف الله

الانتخابات النيابية العراقية المبكرة التي جرت في الـ10 من تشرين الأول 2021، سابقة موعدها الدستوري بنحو 7 أشهر، جاءت أساساً نتيجة حراك جماهيري زعزع أركان النظام السياسي السائد في العراق الذي صممته ورسمت شكله الولايات المتحدة الأميركية عند احتلالها العراق عام 2003. إلا أنه بعد نحو 6 أشهر من إجرائها، ما زالت ارتدادات نتائجها مستمرة، من دون الإيفاء بالتوقيتات الدستورية التي انتهت في الـ6 من نيسان 2022 من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا بتشكيل حكومة جديدة، تُخرج العراق من حكومة تصريف الأعمال محدودة الصلاحيات.

في الـ19 من تشرين الأول 2021، أشرت في صحيفتنا «الوطن»، إلى أن «التجاذبات السياسية، والتناحر بشأن نتائج الانتخابات واستحقاقاتها، سيؤدي إلى إطالة فترة الاتفاق على الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة الجديدة، وقد يستغرق أشهراً عدة». وفي مقالة تالية في الـ28 من الشهر ذاته، أشرت إلى أن الفتنة الإلكترونية التي تسبب بها مخدم البيانات الانتخابية الرئيس الموضوع في الإمارات، نجحت في التشكيك بنتائج العملية الانتخابية عندما لم تتطابق بياناته مع ما لدى المرشحين من نتائج ورقية إلكترونية مأخوذة من صناديق الاقتراع مباشرة! حيث «يبدو أن هناك من يسعى إلكترونياً لإعادة تشكيل الساحة السياسية العراقية لغايات مستقبلية تطبيعية». وهذا ما أثبتته مجريات التناحر السياسي بين مختلف القوى السياسية العراقية المشتركة بالانتخابات على مدى الأشهر الماضية.

وقائع صراع القوى السياسية العراقية اليومي ينحصر ما بين اتجاهين لا ثالث لهما: «حكومة أغلبية» أو «حكومة توافقية»، وكلاهما في الواقع، حكومة محاصصة طائفية وعرقية.

إن إخفاق الجلسة الثالثة التي عقدها المجلس النيابي في الـ30 من آذار الماضي لانتخاب رئيس الجمهورية، التي كانت مثل سابقتها، حيث لم يتوافر فيها نصاب الثلثين الضروري للمباشرة في إجراء الانتخاب، زاد من حدة الانقسامات والخلاف ما بين الأحزاب السياسية المتنافسة، وما عزز ذلك قيام «تحالف إنقاذ وطن» المشكل من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، بوضع بند «ثانياً: تشكيل اللجان النيابية الدائمة» في جدول أعمال جلستيه الفاشلتين لانتخاب رئيس الجمهورية، فبحضور الأغلبية المطلقة، مرر التحالف تشكيل تسع لجان نيابية هي الكهرباء والطاقة، الاقتصاد والصناعة والتجارة، الاستثمار والتنمية، التخطيط الإستراتيجي والخدمة الاتحادية، النقل والاتصالات، العمل ومؤسسات المجتمع المدني، القانونية، العلاقات الخارجية، المالية، من نوابه وبعض المستقلين المؤيدين لتوجهاته، من دون اشتراك أي نائب من القوى السياسية التي قاطعت الجلستين فيها، بينهم النائب المستقل الحقوقي باسم خشان الذي تقدم بدعوى إلى المحكمة الاتحادية لرفض طلبه في الانضمام إلى اللجنة النيابية القانونية!

في الأعراس الانتخابية الديمقراطية «المشوه» الذي أرسى دعائمه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر منذ احتلال العراق وكتابة دستوره الجديد، لا يمكن التمييز بين العريس والعروس، فالأفخاخ القانونية التي دسها المحتل الأميركي في الدستور العراقي، والأعراف التي عمل على تكريسها، بأن يكون رئيس مجلس النواب سنياً، ورئيس الجمهورية كردياً، ورئيس الوزراء شيعياً، لم تؤسس لأغلبية تتولى مسؤولية الحكم، ومعارضة وازنة ومؤثرة تتولى مسؤولية الرقابة عليها، ولا لمبدأ أن الأغلبية لا تشارك في الرقابة على نفسها، وبأن المعارضة لا تشارك في الحكم الذي تراقبه.

نزعة الانفراد والاستئثار بالحُكم التي أظهرتها قوى «تحالف إنقاذ وطن»، والتي تصاعدت في الأيام الأخيرة، أمر في غاية الخطورة، وخاصة بعد أن كانت قد استحوذت على رئاسة المجلس النيابي وهيئته، وسعت لتمرير رئيس الجمهورية ريبر أحمد خالد بارزاني وزير داخلية إقليم كردستان، الذي يتصاعد اللغط بشأن علاقته بإسرائيل، وتشكيل حكومة رئيسها ووزرائها من التحالف حصراً، لتأتي تغريدة مقتدى الصدر في الـ30 من آذار 2021، بأنه «لن أتوافق معكم، فالتوافق يعني نهاية البلد، لا للتوافق بكل أشكاله.. فما تسمونه الانسداد السياسي أهون من التوافق معكم وأفضل من اقتسام الكعكة معكم»، لتدخل العراق بعد تعليق مفاوضاته 40 يوماً في أزمة دستورية مفتوحة، والعملية السياسية في حالة «موت سريري»، فسياسة المناكفات والعناد واستبعاد الآخر وكسر العظم، لإثبات الوجود، يهدد أمن واستقرار العراق.

مشروع التحالف الثُّلاثي «تحالف إنقاذ وطن» للاستئثار بالحُكم، خطير جداً، لاستحالة نجاحه، ما قد يُحيي الميول الانفصالية لآل البارزاني من جديد، ويُعيد ما كانت تدعو إليه سابقاً أطراف من «تحالف السيادة» بإنشاء «إقليم سنّي» في المنطقة الغربية.

حين ييئس الفرد ينغلق على نفسه، وقد يدفعه إلى التفكير في الانتحار، لكنْ حين يُعمل على نقل اليأس إلى المجموع فإن عصفه يصبح بلا بوصلة، ليضرب في كلّ اتجاه.

حمى اللـه العراق من عناد ساسته، وكيد المتآمرين على شعبه ووحدة أراضيه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن