قضايا وآراء

ثم ماذا؟

| منذر عيد

«سيتم فرض العقوبات في أي حال من الأحوال، سواء كانت هناك ذريعة ما متعلقة بالتطورات في أوكرانيا أم لا، سيتم العثور على ذريعة، لأن الهدف يتمثل في شيء آخر، إنه يكمن في إبطاء تطور روسيا»، تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد مدة وجيزة على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تعكس عمق الفهم الروسي للسياسة والنيات الغربية تجاه روسيا، وتجاه أي بلد يحاول المنافسة، أو أن يشق عصا الطاعة عن الغرب المستعمر، لتظهر تلك السياسة جلية ضد روسيا، ومن قبلها سورية، وإيران، وفنزويلا والصين وو و.

لكن القصة لا تقتصر على النيات والأفعال الغربية التي تمارسها حالياً ضد روسيا، بل في مدى نجاحها على أرض الواقع، ونجاعتها في لي ذراع موسكو، وهنا يمكن للمتابع للعملية العسكرية وردة فعل الغرب عليها، التوقف عند عدة محطات في الأيام 41 الماضية، محطات يمكن من خلالها قراءة خفايا ما يجري، واستشراف ما سيحصل في قادمات الأيام.

في المحطة الأولى.. رفع الغرب فيها سقف التهديد ضد موسكو، وعمل على ضخ كم هائل من الوعود للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حتى ظن أن قوات «الناتو» ستكون خلال ساعات على مشارف كييف دفاعاً عنها، لتتوالى التصريحات من ألمانيا وبريطانيا وأميركا بضرورة إرسال الأسلحة إلى كييف ومدها بالطيران والمضادات والذخيرة، ليبقى كل ذلك كلاماً لا يتعدى المنابر، الأمر الذي فهمه زيلينسكي لاحقا، عندما قال في شباط «سألت اليوم 27 من القادة الأوروبيين عما إذا كانت أوكرانيا ستنضم إلى حلف الناتو، لقد توجهت بالسؤال بطريقة مباشرة، الجميع خائف، ولا أحد يجيب»، وهو ما دفع به للإعلان لاحقا عن استعداده لإجراء تعديل دستوري يضمن «حياد» بلاده، وهو ما تم الاتفاق عليه في مفاوضات اسطنبول، حين قال المفاوض الأوكراني أولكسندر تشالي بخصوص بنود ما تم الاتفاق عليه «إذا أمكننا تثبيت هذه البنود الرئيسية، وبالنسبة لنا هذا أهم شيء، فإن أوكرانيا ستكون عندئذ في وضع يوطد فعليا وضعها الحالي كدولة غير عضو في تكتل وغير نووية في صيغة الحياد الدائم»، وهنا في هذه المحطة أخفق الغرب في إيقاف العملية الروسية، أو ضم أوكرانيا إلى «الناتو» أو استخدامها مكسر عصا في الصراع مع موسكو.

في المحطة الثانية، انتقل الغرب إلى سياسة العقوبات، فحظر الرئيس الأميركي جو بايدن جميع واردات النفط والغاز الروسي، وعمد القادة الغربيون إلى تجميد أصول البنك المركزي الروسي، واستهداف 70 بالمئة من السوق المصرفي الروسي والشركات الحكومية الرئيسية وإزالة بنوك روسية منتقاة من نظام «سويفت»، وأغلقت جل الدول الأوروبية مجالها الجوي أمام الطيران الروسي، وفرضت عقوبات على أشخاص وكيانات روسية، إلا أن الرد الروسي بقرار الرئيس بوتين إلزام الدول «غير الصديقة» بدفع ثمن توريدات الغاز والنفط بالروبل، في ظل اعتماد العديد من الدول الأوروبية على الطاقة الروسية، قلب السحر على الساحر، وحاصرت العقوبات فارضيها، وخاصة أن الاتحاد الأوروبي يستورد منها 40 بالمئة من صادرات روسيا الخارجية، ويميل الميزان التجاري لمصلحة موسكو، وبالتالي كل العقوبات الغربية تعني تقليص الواردات الغربية وأساسا الأوروبية.

فشل إجراءات الغرب في المحطتين الأولى والثانية، دفع به إلى اتباع أسلوب شيطنة روسيا، واللجوء إلى التضليل الإعلامي، في قضايا إنسانية، عبر اتهام الجيش الروسي بارتكاب إبادة جماعية في المناطق التي دخلها وخاصة «بوتشا» وهو ما نفته موسكو وأكدت أنه مجرد هجوم وهمي ضدها، إذ أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالأمس أن مثل هذه الحملة تكون مترافقة مع كل النزاعات والأزمات وبالطريقة نفسها وهي شبيهة بحملات الخوذ البيضاء في سورية، لتعمل الدول الغربية على التصعيد الدبلوماسي وبدأته كل من ألمانيا وفرنسا وليتوانيا عبر طرد العشرات من الدبلوماسيين الروس.

41 يوما لم يترك أعداء روسيا، طريقا إلا وسلكوه، ولا أسلوبا إلا واستخدموه، للنيل منها، وإجبارها على التراجع في أوكرانيا، فنراهم ينتقلون من مخطط إلى آخر، ومن عقوبة إلى ثانية، دون أن تؤتي أوكلها، لتبقى السفينة الروسية صامدة في وجه الرياح الأوروبية، ومصرة على إنهاء عمليتها في أوكرانيا والوصول إلى النتائج التي أعلنتها بداية الأمر، ليبقى السؤال إزاء ما ينوي الغرب فعله لاحقا: ثم ماذا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن