ثقافة وفن

الثقافة الفرنسية في حداد.. فهل الآخر أنا وأنا الآخر؟ … كلمات من أجل الحياة لجريمة ستقع ذات ليل

إعداد : مها محفوض محمد :

ويرتد الإرهاب على صانعيه… صحيح، لكن لابد أن يؤخذ الأمر في جانبه الإنساني أيضاً الذي يدين الجريمة، والإرهاب هذه المرة ضرب في العمق الثقافي الفرنسي فتوقف حراكه لمدة ثلاثة أيام حداداً بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت ليل الجمعة 13 تشرين الثاني حيث ألغيت جميع العروض والمهرجانات والحفلات الموسيقية وأغلقت دور السينما والمتاحف والصروح العامة وأعلن الحداد الوطني لعالم الثقافة الفرنسية، فالعمليات الإرهابية استهدفت مواقع حيوية كمسرح باتكلان الذي كان يحيي سهرة هارد روك أميركية وهو مكان رمز أنشئ عام 1964 وأعلن صرحاً تاريخياً في العام 1991 وقد عبر مدير دار الأوبرا في باريس بحزن شديد عن استهداف هذا المكان بالقول: إنها المرة الأولى التي يهاجم فيها عرض موسيقي بهذه الطريقة الإرهابية، إنهم يغتالون الموسيقا تاركين المكان في صمت الموت في قاعة ترمز لليل الباريسي، ضربوه بأكبر قدر من الحقد برشقات رصاص من سلاح الكلاشينكوف غطت آلات الموسيقا وأوتارها فتحول الفرح إلى رعب قاتل لكن الثقافة التي أرادوا اغتيالها لن تنحني أمام الرصاص..

أدونيس: اختلطت المسألة الدينية والاجتماعية وهذا أمر خطير ومعقد

النور لايطفأ

هذا وقد تداعت الأوساط الثقافية الفرنسية بجميع أطيافها وأشكالها للتعبير عن تأثرها بالهجوم المروع. جاك لونغ وزير ثقافة سابق ومدير معهد العالم العربي حالياً أصدر بياناً جاء فيه: لقد أرادوا إطفاء أنوارنا التي تهتز على إيقاع الموسيقا علينا تسجيل هذه اللحظة الحزينة التي هاجموا فيها حياتنا وأن نتحرك جميعاً في باريس في فرنسا وفي العالم وأن نقف ونثير الضجة والأضواء ليفهم الإرهابيون بأنهم خسروا لنخرج إلى الشوارع والساحات لنسمعهم الموسيقا التي يبغضونها، لقد أرادوا إسكات الحياة ومحو الفن ودفن الكوميديا، هؤلاء فجروا آثار تدمر ونمرود، أطلقوا النار في مسرح باتكلان، لكن سنثبت لهم أن الثقافة ستستمر بالإشعاع ليبقى ضوء الأمل براقاً.

الجدوى من الكتابة
كما وجد الأدب نفسه في الخط الأول أكثر من أي وقت مضى بحسب أحد الكتاب الفرنسيين الذي دعا إلى الكتابة فوراً بالقول: ما جدوى الكتاب والشعراء إذا لم يكتبوا في وقت الضيق والشدة؟ ها هو الأدب يعود إلى مكانته في الإعلام التي تخلى عنها تدريجياً بعد أن كان له الدور الأول فيها لزمن طويل في فرنسا، يجب أن نكتب مع الموت أن نكتب دون خوف وبالفعل جاء الأدب كمسعف أول لحالة الطوارئ ولبىّ النداء عشرات الكتاب الذين كتبوا وعلقوا وأثاروا صفحات الصحافة.

تعودنا الرعب
ففي عدد خاص أصدرته صحيفة لوموند جمعت 28 كاتباً فيه تحت عنوان «كلمات من أجل الحياة» منهم الكاتب دانييل روندو يقول: لقد أثارتنا تلك الجرائم لكنها لم تكن مفاجئة. يجب القول بأن الرعب أصبح محاذياً لنا وبدأنا نتعوده، فكم من الضحايا سقطوا اليوم على أرضنا وعندما نسأل قادتنا عن التهديدات المحتملة يأتي الجواب بأن: ليس السؤال هل من تفجيرات قادمة بل متى سيكون ذلك؟ فكلنا يعلم أن الجريمة ستقع ذات ليل لكن في غير المكان الذي توقعناه.
الكاتب جان بيرنوم يقول: «كما في كل مرة الكلمات تصدق على الموت، لقد أقام هؤلاء الإرهابيون علاقة بين دم يراق وحبر يسكب». ويرى الكاتب أوليفييه رولان أن التعايش مع الحرب أصبح روتينياً يقول: «هؤلاء الإرهابيون هم من دون شك مرض الإسلام، والمرض يمكن أن يفترس ويفتك». وكتاب آخرون وجدوا في الساعات الطويلة التي تبعت الهجوم وصفارات سيارات الإسعاف ما يذكر بسنوات الاحتلال النازي لباريس حيث كان الخوف والحذر في عيون الناس يوحي بأجواء الحرب.

فرنسا ستقاوم
أما ميشيل هوليبيك الذي يكره الإسلام ويتخوف منه (كتب رواية «الخضوع» وفيها يصور وصول الإسلام إلى السلطة في فرنسا عام 2022) فقد نشر نصاً في صحيفة كورييه ديلاسيرا الإيطالية اعتبر كقرار اتهام ضد الطبقة السياسية الفرنسية يقول فيه: «هذا الانتهازي الذي يشغل كرسي الرئاسة لا شأن له مثله مثل الآخر المتخلف عقلياً الذي يشغل منصب رئيس الوزراء والنتيجة الحتمية للأسف خطيرة جداً حيث أخفقت الحكومات التي تعاقبت في السنوات الأخيرة بطريقة محزنة». كما يذكر بالضربات المختلفة التي لحقت بفرنسا لكنه أثنى على شجاعة الشعب الفرنسي بالقول: فرنسا ستقاوم بتواضع وبشجاعة استثنائية.
برنار شامباز وهو كاتب رواية «فلاديمير بوتين» في لقاء مع صحيفة لوفيغارو يقول: «آمل أن تساعد هذه التفجيرات على تغيير السياسة الفرنسية، فالمقلق في الأمر هو الطابع المروع في جانبه الأعمى للتفجير وفي تلك الليلة لم أستطع العودة إلى منزلي إلا في وقت متأخر جداً من الليل مشياً وكنت ألتقي الناس المذعورين الناجين من جريمة مسرح باتكلان وهذا المكان لم يتم اختياره مصادفة فقد أخذني التفكير بهذا الاسم إلى نهاية القرن الثامن عشر حيث تمت التسمية بناء على حركة ما أو محاكاة صوتية لأشياء حين تسقط واليوم هو مرادف لصوت ركام في محاكاة للفوضى والدمار، هذه التفجيرات ترتبط مباشرة بأزمة الشرق الأوسط وبحالة الحرب التي نتحدث عنها اليوم وهي حقيقة يومية لأغلب شعوب المنطقة. علينا التذكير بتفجيرات بيروت التي وقعت قبلها بأيام ولم يتحدث عنها أحد في فرنسا. هي أزمة أسبابها سياسية تعود إلى الأطماع الغربية في السيطرة على منابع الطاقة والماء، وأنا واحد من 31 كاتباً شاركنا في مناقشة المسائل المناخية في الجمعية الوطنية، آمل أن تساعد هذه الأحداث في تغيير السياسة الخارجية لفرنسا لا أن تساعد في تطور أفكار رئيس وزرائنا.
وفي لقاء للشاعر أدونيس مع صحيفة لومانيتيه حول هذا الموضوع يقول: «كيف نفسر أن تمثالاً يمكن اعتباره عدواً؟ أنا ضد مأسسة الدين وفرض ذلك على المجتمع، ما يسود اليوم هو أفكار الوهابية فالسعودية بمالها وتآمرها مع الغرب دحضت عالم حضارة رائع في العراق وليبيا وسورية، وأوروبا لم تفهم ذلك وهي مسؤولة فسياستها ارتبطت فقط بمصالحها الاقتصادية. عليها إعادة التفكير بالموضوع.

اختلاط المفاهيم
وعن سؤال كيف يرى أدونيس أن الشباب الذي ترعرع في فرنسا يفجرون أنفسهم وسط باريس يقول: لقد اختلطت المسألة الدينية والاجتماعية وهذا أمر خطير ومعقد. هؤلاء الشباب لهم مغزى في ممارسة طقوسهم الدينية. يريدون تحويل الناس كلهم إلى الإسلام وبرأيهم هدي الناس حتى في فرنسا، وبالنسبة لهم فإن الموت باب الدخول إلى الجنة، كيف يمكن لكائن بشري أن يتصرف بهذه الطريقة؟ منذ خمس سنوات وهم يقتلون ويذبحون في سورية والعراق ويضعون النساء في أقفاص، لقد دمروا المتاحف وأعمالاً فنية رائعة. هؤلاء يرون في التمثال عدواً فكيف يمكن تفسير ذلك؟ الثقافة الوحيدة بالنسبة لهم هي قرآنية. يجب فصل الإسلام عن الدولة ومساعدة العرب على القطيعة مع الماضي والظلامية، فأوروبا نجحت بالتكيف مع الحداثة بعد أن كانت الكنيسة مرعبة في العصور الوسطى، إذا كنا متوافقين مع مبدأ العلمانية فبإمكاننا تغيير الكثير من الأشياء، إن الإيمان كالحب ينمي التجربة الشخصية وفرنسا بلد حقوق الإنسان، بلد ديكارت وبودلير عليها أن تساعد في إعادة بناء المجتمع العلماني العربي في تشجيع الحرية والإبداع والانفتاح نحو الآخر وقبل أن يقول رامبو: «أنا الآخر» قال المتصوفة: «الآخر هو أنا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن