من دفتر الوطن

تصريحات رمضانية!

| فراس عزيز ديب

تُعتبر الطبقة الوسطى في كل المجتمعات صمامَ أمانٍ لتماسكِ الدَّوَل، هذا ما كان الحال عليهِ في سورية مثلاً قبلَ هذهِ الحرب اللعينة، بحيثُ شكَّلَ اتساعَ رقعةِ هذهِ الطبقة دلالةً على تطورٍ في آلياتِ الاستفادة من مواردِ الدولة وتوظيفها في سحبِ المواطن من الطبقة الفقيرة نحو الطبقة المتوسطة، بمعزلٍ عن هذهِ الآليات وإن كنا نتفق أو نختلف معها لكنها حققت المطلوب.

كان ما يميز أبناءَ هذهِ الطبقة التي أفتخر بالانتماءِ إليها سعيَ الأهل أن يزرَعوا في فكرِ أبنائهم التخلي عن المقارنات مع الغير، حسناً فعلوا مع أنهم ربما لم يقرؤوا علم النفس تحديداً بما يتعلق بمفهوم «المقارنات المفيدة» التي يقوم من خلالها الفرد بتحديد مكانته انطلاقاً من مقاربتها مع الآخرين، لأن هذا المفهوم وحسب علماء النفس وإن كان لهُ جانب إيجابي تحفيزي إلا أن له جانباً هدَّاماً قد يدمِّر مشاعر الرضى عن الذّات وصولاً إلى السلوكيات العدوانية التي تستخدم الكثير من الأسلحة لتعويض هذا النقص بما فيها الكذب.
لكن وبعيداً عن علم النفس والسياسة والاقتصاد فإن أسوأَ صفةٍ قد تحملها المقارنات هي الانتقائية، بمعنى آخر أن أختار ما يجعلني نِدَّاً للمقارَن بهِ وأوظفهُ كنتيجةٍ منطقية لوجودي في المكانِ الصحيح، هو أشبهَ بمن يلعب الورق مع نفسهِ ويعرف نوع الكروت الموجودة في كل جهة، وعندما ينتصر يهلِّل للانتصار.
في سورية وللأسف فإن هذه الانتقائية ومنذُ بدايةِ الحرب اللعينة أخذت أحد أسوأ أشكالها، وهو الشكل الذي ربما لم يتحدَّث عنهُ بعد علم النفس ولا الجيوبوليتيك ولا الأنتروبولوجيا ولا حتى علم الفيروسات، وهو مقارنة الفشل بالفشل، لدرجةٍ يَظهر فيها فشلنا أفضل من إخفاق الآخرين، نتجاهل فشلنا ونطبِّل لأنه أقل وطأةً من إخفاق الآخرين!
في السابق كان الحديث عن الإعلام محوراً لهذه المقارنات، كان البعض ممن يطبلون لنجاحات الإعلام السوري مثلاً يبحثون عن إخفاق المنظومات الإعلامية الصديقة أو المعادية ليُظهِروا لنا مدى ما نعيشهُ من نعمةٍ إعلامية، هذه العدوى بدأت تنتشر انتشارَ النارِ بالهشيم وتحديداً في القطاعات الحكومية التي تلامس احتياجات المواطن اليومية، هؤلاء عليهم أن يستوعبوا فكرةَ جوهرية:
ليسَ المطلوب منك أن تشرحَ لي أينَ أخفق الآخر، المطلوب منك أن تشرح لي أين نجحنا نحن وما دلائل هذا النجاح؟ أي عندما يستطيع المواطن على الأقل أن يؤمنَ ثلثي احتياجاته اليومية لا كلها، عندها لا مانع لدينا بأن نجلس أمام التلفاز لنشاهد التصريحات التي تقارب بين الوضع في سورية والوضع في أوروبا، من دونَ أن نشك ولو للحظةٍ بأن ما نتابعهُ ليسَت دراما كوميدية رمضانية!
في الخلاصة: المقارنات المتعلقة بالوضع المعيشي بين سورية وغيرها من الدول «رجسٌ من عملِ الشيطان فاجتنبوه»، هيَ أسوأ من «وهنِ عزيمة الأمة» لأنها توهن عزيمة المواطن الذي لا وجودَ لأمة أو دولة من دونه، الفرق أن هناك من يجهِّز لمحاكمةِ أي مواطن يقوم بهذا الفعل ويتجاهل تصريحات المسؤولين، المقارنات لا يمكن لها أن تكون انتقائية لأنها ليست في مصلحتنا، فالمواطن الأوروبي مثلاً قادر براتب شهر أن يركب سيارة ولو مستعملة، قادر أن يبدِّل أثاثَ منزله، ماذا يفعل راتب المواطن السوري؟! هذه أيضاً مقارنة أليسَ كذلك؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن