باتت الإنترنت حيوية للعالم كما شبكة الأعصاب في الجسد الحي، والحق أن الغرب بدأ يستخدم الشبكة العالمية كسلاح في حربه غير المباشرة الدائرة حالياً ضد روسيا على أرض أوكرانيا، فقد منع «تويتر» فتح حسابات من روسيا، وأوقف «غوغل» و«يوتيوب» كل الحسابات الروسية، وهناك همسات بدأت تعلو مؤخراً، مفادها أن شركة الإنترنت المخصصة للأسماء والأرقام ICAAN قد تقوم من مقرها في لوس أنجلوس بحذف جميع النطاقات التي تنتهي برمز روسيا RU ما يعني حجب هذه المواقع على مزودات خدمة الإنترنت حيث تبدو كما لو أنها غير موجودة.
وبالترافق مع هذه الإجراءات الرعناء التي تتنافى كلياً مع كل المبادئ التي كان الغرب يقصفنا بها على مدى عقود، عن ميثاق حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة وتدفق المعلومات، بدأ الإعلام الغربي وأتباعه بالعزف مؤخراً على مقام واحد، هذا يتساءل: هل سيقطع بوتين الإنترنت رداً على العقوبات التي طالت بلاده؟ وذاك يرجح أن يوجِّه بوتين غواصاته لقطع كابلات الإنترنت البحرية وإدخال العالم في ظلام دامس، بل إن بعض تجار الإثارة صوروا الأمر كما لو أن وقوعه حتمي لا محالة: «سقوط الحضارة العالمية»، «من يقطع الاتصال بالإنترنت… روسيا أم الغرب؟».
لا شك بأن قطع جميع كابلات الإنترنت من شأنه أن يهز العالم بأسره وأن يؤثر في كل مناحي الحياة فيه. غير أن أكثر ما يثير ذعر الغرب هو أن روسيا ستكون أقل المتضررين من هذه الكارثة فيما لو وقعت، ليس لأن كابلاتها برية وممددة داخل أراضيها وحسب، بل لأنها تنشئ شبكة إنترنت خاصة بها منذ سنوات!
والحق أن إعدام الإنترنت بات موضوعاً يومياً في الغرب، فقبل أيام حذر تقرير نشرته صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية، من وجود مخاوف بشأن سلامة الكابلات البحرية الناقلة للإنترنت. كما انضم المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية للمحذرين من جسامة خطر قطع كابلات الإنترنت فهي برأيه «لا تقل أهمية عن أنابيب الغاز والنفط»، وذلك لأن «معظم الحركة الدولية على الإنترنت، تتم عبر الكابلات البحرية، بنسبة تتجاوز 99 في المئة»، كما حذر الرئيس الأميركي جو بايدن قبل نحو أسبوعين من أن تستهدف روسيا الكابلات الموجودة في عمق البحر، بهدف قطع الإنترنت عن العالم كله!
المفاجئ هو مشاركة بعض الأسماء الجادة في تضخيم هذه الفقاعة، فقبل يومين قرأت دراسة لباحث في الأمن الرقمي حول الأخطار التي يمكن أن يواجهها المجتمع البشري فيما لو توقفت الإنترنت التي تربط العالم كله بكله، فهو يتوقع حلول ظلام عالمي لأن شبكات توزيع الطاقة الحديثة تعتمد على الإنترنت، ونتيجة لذلك سيتوقف ضخ المياه وانهيار التجارة العالمية، وسيتوقف أيضاً تدفق النفط والغاز، وستنهار المنظومة الصحية، وستفسد الأغذية المخزنة في الثلاجات، ما سيؤدي إلى سقوط عالم المال وبدء أعمال الشغب بحثاً عن الطعام والأدوية ومياه الشرب، وانتشار الفوضى في مختلف المجالات!
صحيح أن قطع كابلات الإنترنت من شأنه، فيما لو وقع، أن يقلب حياة البشرية رأساً على عقب، لكن الخبراء الجادين يستبعدون وقوعه تماماً، لأنه في العالم حالياً نحو 380 كابلاً بحرياً تبلغ أطوالها أكثر من مليون كيلومتر، لذا يعتقد هؤلاء الخبراء «أن قطع كابلات الاتصالات، علاوة على أنه عمل إجرامي، فهو محدود الفائدة ومن غير الوارد حدوثه بهذا الشكل».
خلاصة القول إن إعدام الإنترنت هو فقاعة من صنع الغرب الهدف منها التغطية على الإجراءات الرعناء التي اتخذتها البلدان الغربية وشركاتها بحق روسيا ووسائل إعلامها.