ثقافة وفن

أسامة الروماني المعرفة والتجربة

| إسماعيل مروة

كان ملتقى الإبداع على موعد حقيقي عصر الخميس الماضي مع الأستاذ الجميل الفنان أسامة الروماني وطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية ونخبة من المهتمين وفي مسرح سعد الله ونوس كان اللقاء على مدى ساعتين، وكان المسرح ممتلئاً، ولكن ما أثار استغرابي أن كثيرين لا يعرفون تاريخ هذا الفنان الكبير، ما أكد لي أن التلفزيون بلا ذاكرة، ومهما كانت الأعمال التي قدّمها هذا الفنان أو ذاك على شاشة التلفزيون فإنها لا تشكل ذاكرة، أسامة الروماني تاريخ مسرحي حافل حين كان المسرح يمشي على استحياء، وحين صار المسرح منبراً ثقافياً مؤثراً، وهو مشارك سينمائي، وهو من أصحاب التجارب التلفزيونية الكثيرة والتي صارت مع الزمن تشكل كلاسيكيات الدراما التلفزيونية السورية عبر تاريخها الحافل والغني…

أسامة الروماني على مدى ساعتين في إجاباته على إدارة الندوة الخبيرة من الناقد سعد القاسم، وفي إجاباته على الطلبة كان الصديق الذي أبعد نفسه عن بؤرة الضوء والحدث، فأبعد أناه، وتحدث عن التجربة السورية والعربية، وقدّم آراءه في المسرح والتمثيل، وكانت نماذجه التي قدّمها موثقة من المسرح السوري والعربي والعالمي، سواء من حيث النصوص أو الأداء أو الإخراج، وذاكرة أسامة الروماني المتوقدة لم تترك اسماً من الأسماء أو تجربة من التجارب لم تتوقف عندها، وعلى الرغم من التجربة الحياتية والدراسة الأكاديمية إلا أنني أول مرة أجد نفسي أمام فنان أستطيع أن أتعلم منه بحق، وأن آخذ ما يتحدث به على أنه تجربة حياة جماعية للفن السوري، وليست تجربة فردية يريد صاحبها أن يعزز وجوده دون أن يرى المحيطين به تحدث عن أخطائه في الأداء والإخراج حيث كان ممثلاً ومخرجاً أو مساعداً لمخرج، ذكراً أساتذته من شريف خزندار إلى غيره تحدث عن زملائه، وإن أعطى مثالاً جيداً، فإنه يسارع إلى القول بأن ما يقوله هو رأي شخصي لا يلزم به أحداً.. وعن غربته يقول أسامة بأنه دعي للإشراف على نسخة «افتح يا سمسم» العربية للأطفال، والسنة امتدت لأربعين سنة، لم يخطط لها لتكون، ولكنها كانت، هو ببساطة لا يعرف لماذا كانت، وليس لديه أي جواب لسبب اغترابه لأربعين سنة.

وحين تحدث عن المسرح، بدأ من مسلّمة أن المسرح لابد له من دعم والدولة هي التي يجب أن تدعمه، وضرب لذلك أمثلة، وأمثلة أسامة الروماني ليست نتيجة قراءة أو مطالعة، بل نتيجة معايشة، فهو يذكر مسرحيات بعينها حضرها في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأميركا، فقد أتاح له عمله في سنوات اغترابه أن يدور العالم، وأن يحضر أعمالاً مسرحية في مختلف البلدان، وهذا بحدّ ذاته يمثل عامل احترام لهذا الفنان الذي لم يشغله عمله الذي يؤمن له حياة لائقة من شغفه بالمسرح والسينما، فهو مثّل في مسرحية الملك لير، وحضر الملك لير في بريطانيا ووازن بين العرضين والحلول الإخراجية والفهم للبعض، وفي كل تلك العروض كما يقول أسامة قد يحضر عشرة أشخاص أو أكثر قليلاً، وهذا عدد كاف لعمل جاد، لأن تلك البلدان تقوم دولها بدعم المسرح في عروضه…

لم يكن لقاء أسامة الروماني وهو الفنان الكبير المكتمل التجربة لقاء عادياً، وهو الذي شكر مساعد مخرج في عمل حديث له لفت انتباهه إلى طريقة التعبير التي لا تلائم الموقف..

أسامة الروماني فنان من النسق المختلف علماً ومعرفة، ومن حديثه تظهر هذه المعرفة واللغات والتجارب والاحتكاك، ويكتنز روحاً شفافة محبة، تقدم التجربة على أنها تجربة حياتية عامة وغير خاصة.

نحتاج إلى هذا النوع المختمر من الفنانين الذين ملكوا التجربة والثقافة والمعرفة، وحبذا أن تكون لقاءاتهم هذه ضمن الخطوات التعليمية والتوجيهية للشباب في المجال الفني… شكراً لأسامة الروماني حضوره وخصوصيته وتواضعه وفنه الجميل الراقي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن