ثقافة وفن

«ملتقى الإبداع» يستضيف رائد الفن السوري … أسامة الروماني لـ«الوطن»: عودتي للدراما السورية بشكل نهائي إن لقيت الترحيب ,, سافرت سنة واحدة من أجل «افتح يا سمسم» فامتدت 40 عاماً

| مايا سلامي- تصوير مصطفى سالم

لسنوات طويلة غابت صورته عن الأعمال التلفزيونية والمسرحية إلا أنها بقيت خالدة في ذاكرة السوريين ممن عايشوا زمن ازدهار المسرح في السبعينيات الذي استقطب جمهوراً كبيراً وارتقى بأسماء الكثير من الفنانين الذين سطع نجمهم ورسختهم أذهان الأجيال الوفية للفن الراقي والهادف، فكان أسامة الروماني من عرّابي مسرحيات الماغوط وواحداً من ألمع وأهم الفنانين آنذاك حيث قدّم العديد من الأدوار والأعمال التي لامست حياة الناس واهتماماتهم وكانت من صلب واقع كل مشاهد عربي، فبقيت تلك الشخصيات التي جسدها حيّة في قلوب الكثيرين، وإن كان قد ابتعد قليلاً إلا أن «أبو أحمد» رفض تلك الـ«غربة»، و«نايف» لم يبتعد عن محبوبته «زينة» في «ضيعة تشرين» وبقيا حاضرين طوال هذه العقود.

وتقديراً لتجربته الإبداعية الرائدة واحتفاء بمسيرته الفنية استضاف المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن فعالية «ملتقى الإبداع» الفنان القدير أسامة الروماني، وسط حضور رسمي وإعلامي.

بدأ اللقاء بجولة ضمن أروقة المعهد للتعرف على أبرز قاعاته، وحضور عدد من العروض الفنية المسرحية والراقصة التي قدمها طلاب المعهد، وعلى خشبة مسرح سعد الله ونوس التقى بهم ليروي تجربته الغنية وأبرز المحطات في طريقه الفني الذي لم يكن معبّداً على حد قوله، كما استمع إلى أسئلة الطلاب واستفساراتهم وهم بدورهم أعربوا عن سعادتهم لمثولهم أمام هذه القامة الكبيرة.

تضمن الملتقى عرض فيديو بانورامي قصير استعرض أهم الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها منذ انطلاقة مسيرته الفنية ووصولاً إلى مشاركته في الموسم الرمضاني الحالي، لينتهي اللقاء بتكريمه وتقديم درع المعهد العالي للفنون المسرحية.

بداية رحلته

ضمن الحوار الذي أداره الناقد سعد القاسم، تحدث الروماني عن بداية رحلته الفنية والتي سار فيها إلى جانب شقيقه الأكبر هاني الروماني، فقال: «كان هاني صديقي أكثر مما كان أخي وعندما انتسبت إلى الجامعة في السنة الأولى كان ورفاقه رياض نحاس ويوسف حنا وسليم كلاس يعملون في مسرح الجامعة، وفي الوقت ذاته كان الدكتور توفيق الصبان عائداً للتو من فرنسا مشبعاً بحب المسرح والفنون بشكل عام فأسس ندوة الفكر والفن، فكانت هذه الندوة فرصة لأجتمع مع أخي ورفاقه، ثم انضمت لنا مجموعة جديدة كانت من ضمنهم الفنانة الكبيرة منى واصف التي قدمت دور «بورشيا» في مسرحية «تاجر البندقية» وكان أول ظهور لها كبطلة على المسرح الكلاسيكي».

وأضاف: «بدأت أنا بمسرحية لشكسبير هي «الليلة الثانية عشرة» وتسمى أحياناً «كما تهواه» قدمت فيها دوراً صغيراَ وفيما بعد أيضاً قدمنا لشكسبير «تاجر البندقية»، ولموليير وسوفوكليس حتى وصلنا إلى مؤلف عربي هو توفيق الحكيم الذي قدمنا له مسرحية (السلطان الحائر). وبعد عام 1963 طلب وزير الإعلام من الدكتور الصبان أن يرفد التلفزيون السوري بفرقته فانتقلنا إلى ما يسمى فرقة «الفنون الدرامية» التي بقيت مستمرة حتى اندمجنا بالمسرح القومي».

وأشار إلى أنهم في تلك الفترة قدّموا الكثير من البرامج التي كانت تتجه إلى النخبة وليس إلى عامة الجماهير فقدموا مسرح التلفزيون بالإضافة إلى برامج أخرى تتناول مادتها من المسرح العالمي مثل برنامج «قوس قزح».

وأضاف: «كنت أتمنى لو كان لدينا معهد للفنون المسرحية لكنه لم يكن قد تأسس بعد، فكنا نتعلم من بعضنا البعض ومن المشاهدات ونصغي إلى نصائح الحضور، وغياب المعهد جعلنا نضطر إلى استئجار صالة سينما الحمراء مساء لنقيم فيها البروفات التي كانت تستمر لفترة طويلة قد تصل إلى أربعة أشهر من أجل تقديم العرض في ليلتين فقط حيث لم نكن نملك المال الكافي لدفع الاشتراكات، وكنا نستأجر أيضاً المسرح العسكري الذي قدمنا فيه مسرحية (ماكبث) لشكسبير ومسرحية (الحضيض) لغوركي».

ونوه إلى أن روح الشباب مكنتهم من الانتصار على كل الصعوبات، فلم يكن هناك أي اعتراف رسمي من السلطة بوجودهم وكان ينظر إليهم كمجموعة من الهواة، إلا أنهم كانوا سعداء جداً في بداياتهم رغم نقص المقومات والدروس الأكاديمية الحقيقية.

كما أوضح أن المسرح فن محلي ولا يمكن أن يجمع ممثلين من دول مختلفة كما هو الحال في الأعمال التلفزيونية، فمن خلال المسرح تتعرف على ثقافة البلد الذي جاء منه، ومن هذا المنطلق أحسسنا بضرورة تقديم مسرح بنكهة محلية ولكاتب محلي، فبدأنا بتوفيق الحكيم ككاتب عربي ومن ثم يوسف المقدسي وصولاً إلى سعد اللـه ونوس الذي قدمنا له (حفلة سمر) و(رأس المملوك) وهكذا كانت بدايتنا في المسرح المحلي.

تجربة رائدة

وعن تجربته الرائدة في مسرحيتي «غربة» و«ضيعة تشرين» كشف الروماني أنه بعد حرب تشرين أقيم حفل لتكريم التجريدة المغربية وهناك التقيت بالأستاذ دريد لحام الذي قال لي إنه يعمل على نص مسرحي مع الأستاذ محمد الماغوط وأعطاني دور «نايف» في «ضيعة تشرين» الذي كان بمثابة تكريم بالنسبة لي أن أقدم دور البطولة إلى جانبه وبالمشاركة مع الأستاذ نهاد قلعي إضافة إلى اسم العمل الذي كان مقترناً باسم الكاتب الكبير محمد الماغوط، وقدمنا هذه المسرحية في دمشق وحلب ولبنان والأردن. وفي هذه الفترة كان الأستاذان دريد لحام ومحمد الماغوط يحضران لمسرحية «غربة» ووجدا أنه من الضروري الدخول إلى قضايا وهموم الإنسان وملامسة واقعه، وخلصت هذه المسرحية إلى مقولة هي إذا كنت تريد أن تغير الواقع فعليك أن تغيره بيدك والإنصاف الذي تطلبه يجب أن تكون أنت جزءاً منه.

كما تحدث عن أسباب ابتعاده وانقطاعه عن التمثيل لسنوات طويلة، مؤكداً أن غيابه لمدة أربعين سنة لم يكن بناءً على قرار مسبق أو بسبب ظروف معينة وأنه سافر في البداية لمدة سنة واحدة للمشاركة في تجهيز وإنتاج برنامج «افتح يا سمسم» وبعد انتهاء هذه السنة قرر صناعه إنتاج جزء ثانٍ وطلبوا منه المشاركة فيه فاضطر إلى البقاء هناك وتوالت السنون بسرعة دون أن يشعر.

عودة واسعة

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أعرب أسامة الروماني عن سعادته بوجوده في المعهد العالي للفنون المسرحية ورؤية حلمه القديم قد تحقق. وأكد أن عودته للدراما السورية لن تكون شرفية فقط وأنه يخطط لعودة واسعة ومبشرة إذا سمحت له الظروف بذلك، كما أضاف: «أتمنى أن تكون عودتي أسعدت الناس كما أسعدتني وأتمنى وبالتعاون مع جميع الفنانين أن ننهض بالدراما السورية التي نتمنى أن تبقى دائماً بأفضل حالاتها».

مسرحي عتيق

وبيّن عميد المعهد العالي للفنون المسرحية تامر العربيد أن ملتقى الإبداع تظاهرة أو فعالية أطلقها المعهد ضمن التوجه الأكاديمي أو الإبداعي لدعم العملية التعليمية وهو مشروع لخلق حالة من الحوار بين طلبة المعهد وأصحاب التجارب والخبرات الإبداعية الذين يشكّلون لطلابنا حالة من القدوة، ونحن نسعى أيضاً إلى تكريم الضيوف من خلال الاعتراف بتجاربهم ومشوارهم الإبداعي، وفي الوقت نفسه وضع هذه التجارب على مشرحة الحوار لخلق حالة التماهي والتمازج بين أسئلة الطلاب وتجربة الضيف التي نحاول أن تكون قدوة للطلاب للتعلم ودروساً لخطواتهم ومشاريعهم المستقبلية».

وأضاف: «يعني لنا الكثير حضور اسم كبير مثل الفنان أسامة الروماني المسرحي العتيق وصاحب التجربة الغنية الذي وعينا على مسرحياته وحضوره الدرامي أيضاً، فهو يمثل قامة كبيرة بتجربتها وحضورها بما تحمله من معانٍ ستكون منتجة ومفيدة وداعمة لمسيرة طلابنا».

إضاءة على مسيرته

أسامة الروماني ممثل سوري ومخرج برامج تلفزيونية، ولد في دمشق عام 1942 وهو الشقيق الأصغر للفنان الراحل هاني الروماني، بدأ حياته الفنية مطلع الستينيات في أحد الأندية الدمشقية المسرحية لتبدأ رحلته مع التلفزيون في عام 1963 وحتى مطلع الثمانينيات من خلال أعمال عديدة منها: ساعي البر، أسود أبيض، زقاق المايلة، الأميرة الخضراء، بصمات على جدار الزمن، وتوج تجربته المسرحية في «ضيعة تشرين» بدور «نايف»، ولاحقاً دوره الأشهر «أبو أحمد» في مسرحية «غربة» إلى جانب نخبة من عمالقة الفن السوري دريد لحام، نهاد قلعي، ياسر العظمة، صباح الجزائري.

كان له العديد من المشاركات السينمائية أبرزها «عجاج» و«يوم آخر للحب»، و«المغامرة». كما أخرج للتلفزيون السوري بعض البرامج المنوعة أشهرها «نجوم وأضواء» في أواخر السبعينيات مع الإعلامية منى الكردي.

وفي مطلع الثمانينيات ابتعد عن الأعمال السورية وغاب عنها لسنوات طويلة ليلتحق بمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك في الكويت وينتج معها مسلسلات وبرامج للأطفال أشهرها «افتح يا سمسم» و«سلامتك».

وفي العام الفائت قرر الفنان أسامة الروماني إنهاء غربته وعاد ليكلل الأعمال الدرامية بحضوره العظيم واللافت فكانت البداية في عشارية «وثيقة شرف» من إخراج باسم سلكا، بالإضافة إلى حضوره في الموسم الرمضاني الحالي في عدة مسلسلات، وهي: «على قيد الحب»، «كسر عضم»، «حوازيق».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن